فى البداية، دعونا نسأل السؤال الذى يتردد على ألسنة الكثيرين، السؤال الذى يتبادر فى الأذهان بعد أن تابعنا وسمعنا وشاهدنا عمليات تبادل إطلاق النار بين الإسرائيليين وحركة حماس فى عدد من المناطق وسقوط قتلى ومصابين من الجيش الإسرائيلى وعدد من الشهداء والمصابين من الفلسطينيين فى قطاع غزة، مواجهات متعددة بالقرب من معبر «كرم أبوسالم» وعند محور «نتساريم» وفى منطقة «المواصى».. والسؤال هو: هل هناك من يحاول إفشال المفاوضات الرامية إلى هُدنة بين الجانبين وبالتالى وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى والمحتجزين والرهائن وإدخال المساعدات؟ وإذا كانت الإجابة بـ(نعم)، فالنتيجة الطبيعية أن نستكمل السؤال ونقول: من هو؟، ثم إذا حاولنا الحصول على تفسيرات جديدة ودوافع أجدد لكى نحاول فهم الحقيقة والوصول إلى نتيجة فعلينا استكمال السؤال وهو: لماذا يفعل ذلك؟
من الواضح أن هناك أطرافاً معلومة وليست مجهولة تحاول إفشال المفاوضات -عن عمد- رغم الوصول إلى الرتوش النهائية من بنود الاتفاق، أطرافاً تعلم ماذا تفعل، وماذا تجنى من ثمار للبقاء فى مواقعها رغم حالة الدمار والانهيار فى الأوضاع الداخلية فى إسرائيل وفى قطاع غزة.. فى «إسرائيل» الرابح الأول من عملية إفشال المفاوضات هو (نتنياهو) شخصياً بعد أن ضاقت الدائرة حوله من المتطرفين الاثنين الوزيرين (بتسلئيل سموتيرتش وزير المالية - إيتمار بن غفير وزير الأمن) ورغبتهما فى التمادى فى المواجهات فى غزة ودفع «نتنياهو» -دفعاً صريحاً- إلى التصعيد المستمر واستمرار الحرب بلا هوادة وإلا فهُما سيعلنان عن خروجهما من الحكومة الحالية وبالتالى انهيار تحالفهما مع «نتنياهو» وحل الحكومة والبدء فى انتخابات مبكرة وفى هذه الحالة سيُقدم «نتنياهو» للمحاكمة فى اتهامه بثلاثة اتهامات ويكون مصيره -بالتأكيد- السجن.
الضغوط التى يتعرض لها «نتنياهو» من عائلات الأسرى والمحتجزين والرهائن وصلت إلى نقطة لا يمكن أبداً تحملها، فقد حاصروا منزله فى القدس وتظاهروا أمام الكنيست ووزارة الدفاع ومقر رئاسة الوزراء لأيام طويلة وباستمرار ويتظاهر معهم مسئولون كبار وسياسيون كبار وعدد من الوزراء الحاليين فى حكومة الحرب، وتحولت بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية -صحافة وتليفزيون- وأصبحت ضد «نتنياهو» وحكومته وبعضها أصبح يسخر من «نتنياهو» يومياً، بعض الصحف الإسرائيلية سألت: ماذا حققنا بعد مرور (٢١١) يوماً من المواجهات فى غزة؟ ماذا جَنَينا؟ وكانت الإجابة هى (حذاء السنوار)، بعد أن تم تصوير حذاء على أطلال منزل تم هدمه وتصدرت هذه الصورة الصحف الإسرائيلية وتمت كتابة التعليق على الصورة بالقول: من الممكن أن يكون هذا «حذاء السنوار» قائد الجناح العسكرى لحركة حماس فى غزة وهذا ما حققناه من حربنا على غزة.. الصحف الإسرائيلية تقول: حذاء «السنوار» يؤرق مَنام «بنيامين نتنياهو» رئيس الوزراء الإسرائيلى، لم نحقق شيئاً يذكر من حربنا على غزة، لم نحقق الهدف الذى يرمى إلى عودة المحتجزين والرهائن وبالتالى لم نحقق شيئاً.
من مصلحة «نتنياهو» إطالة أمد الحرب، لكنه يعانى من مأزق داخلى كبير، إضافة إلى ضغوط دولية قد تكون نهايتها جرجرته لمحاكمة جنائية هو ووزير دفاعه يوآف جالانت ورئيس الأركان هيرتسى هاليفى بتهمة الإبادة الجماعية وارتكاب جرائم حرب.