دراسة: الصور المستحدثة للعنف السياسي في مصر
نُوقشت مؤخراً بقسم الاجتماع بكلية البنات، الآداب بالقاهرة، رسالة ماجستير بعنوان: «الصور المستحدثة للعنف السياسى فى المجتمع المصرى.. دراسة سوسيولوجية»، للباحثة «نجوى عبدالعال محمد عمر»، وتكونت لجنة الإشراف والمناقشة من السادة الأساتذة: الدكتورة اعتماد علام، والدكتورة سامية ونيس، والدكتور أحمد بيلى، وقد قدموا ملاحظات على جانب كبير من الأهمية لتحسين الدراسة وتجويدها.
وظاهرة العنف بصفة عامة والعنف السياسى لدى جماعات التطرف بصفة خاصة، سلوك إنسانى سلبى عرفته المجتمعات مع مختلف أشكال الحكم، ولهذا السلوك جملة من الأسباب متعددة ومركبة، وهو ما حاولت الباحثة وضع يدها على هذه الأسباب.
وقامت الباحثة برصد وتحليل صور العنف السياسى فى مصر عبر الحقب التاريخية المختلفة، وذلك فى ضوء تساؤلات متعلقة بصور العنف فى المجتمع المصرى، ومدى اختلاف صور العنف لدى جماعات التطرف باختلاف الحقب الزمنية، والعوامل الاجتماعية المشكِّلة للعنف السياسى عبر الفترات التاريخية المختلفة، والقوى الاجتماعية الفاعلة فى ممارسة العنف فى المجتمع، وآليات الحد من العنف السياسى فى تلك الفترات.
ثم ألقت الباحثة الضوء على العوامل التى أدت إلى العنف السياسى فى مصر (25 يناير 2011- 2022)، وصور العنف السياسى المستحدثة التى ظهرت فى المجتمع المصرى بعد ثورة 25 يناير حتى الآن، والفرق بينها وبين الصور القديمة، ثم رصدت جماعات العنف المستحدثة التى ظهرت فى المجتمع المصرى بعد 30 يونيو 2013م
وقد فسَّرت معظم حالات الدراسة أشكال العنف تفسيراً شمولياً، حيث يتفقون على أن أشكال العنف هى الاغتيالات ومحاولات الاغتيالات التى تمت لشخصيات عامة، مثل النائب العام، وقيادات وضباط الجيش والشرطة، وقتل المواطنين، ونسف بعض المنشآت العامة، وتخريب البنية التحتية، وإرهاب المواطنين وخاصة الأقباط.
وتنوعت صور استهداف العنف السياسى التى ظهرت فى تلك الفترة، ما بين استهداف البنية التحتية للدولة، مثل شبكات الكهرباء وخطوط المترو وغيرها، وارتفاع العمليات الإرهابية الموجهة ضد الشركات الاقتصادية، وعمليات السلب والنهب للممتلكات العامة والخاصة، والاغتيالات متمثلة فى زيادة استهداف رجال الشرطة والجيش والقضاء، وبعض الشخصيات العامة، واعتصامى رابعة والنهضة، واستهداف دور العبادة، كرد فعل لجماعات العنف ضد ثورة يونيو.
وذكرت الدراسة أن الوسائل المستخدمة فى العنف تنوعت بين المولوتوف والقنابل، والسيارات المفخخة، والأسلحة البيضاء كالسيوف والسكاكين، والبنادق، والأسلحة الخفيفة، والملصقات، والحجز القسرى، وإتلاف الممتلكات، والتفجيرات وهى أكثر الأساليب المستخدمة.
وقالت الباحثة إن جماعات العنف والإرهاب فى مصر فى فترة ما بعد ثورة 30 يونيو، ما هى إلا امتداد للجماعات العالمية كالقاعدة وداعش، وكلامها صحيح، لكن فاتها إلقاء الضوء على العلاقة بين الإخوان والحركات الجهادية كالقاعدة وداعش، من زاوية أن جماعة الإخوان المسلمين ترتبط بعلاقات أيديولوجية مع داعش والقاعدة، بل جماعة الإخوان هى الجسر الذى عبرت من خلاله التيارات الجهادية، وأنهم مشتركون فى أسس أيديولوجية عميقة، وأوجه التشابه تفوق بكثير أوجه الاختلافات بينهم، مع ما بينهم من عداوة.
نوهت الدراسة إلى خطورة استخدام الجماعات المتطرفة لوسائل التواصل الاجتماعى، من أجل الحشد والتعبئة والتجنيد، وأن هذه التيارات وظَّفت هذه التقنيات فى قضايا الاحتجاج، وشن الحملات الدعائية، وترتيب موعد ومكان التجمع للانطلاق منه، فالتكنولوجيا ساعدت هذه الجماعات فى تنسيق عملياتها وخططها وتجنيد أتباع جدد، ونشر الأفكار والمعتقدات، ووفرت لهم أيضاً ساحة افتراضية للتدريب والحصول على الدعم المادى والمعنوى.
وربطت الباحثة فى دراستها بين انتشار العنف السياسى وانتشار أنواع أخرى من العنف، كالسرقة والقتل والنصب والبلطجة وجرائم الأخلاق والمخدرات، حيث يستغل اللصوص والمجرمون اضطراب الأمن للقيام بعمليات سطو للممتلكات العامة والخاصة.
وانتهت الدراسة إلى عدد من التوصيات، منها:
- ضرورة تضافر الجهود الحكومية والشعبية لمواجهة مشكلة العنف السياسى.
- تطوير النظام التعليمى لخلق عقول نقدیة ومتسامحة تحصنهم ضد الأفكار المتطرفة.
- تكثيف البرامج الإعلامیة التی تعزز القیم الدینیة الإیجابیة، وتنشر ثقافة التسامح وقبول الآخر، بالتعاون مع المؤسسات الدینیة ومنظمات المجتمع المدنى.
- معالجة الأسباب الاقتصادية والقضاء على الفساد السياسى والإدارى والمالى والمحسوبية، وتمكين أهل الكفاءة والخبرة والنزاهة.
والحاصل أنها رسالة مهمة، جديرة بالاطلاع عليها والاستفادة منها، بل ونشرها فى كتاب، مع وجود سلبيات يجب تداركها، وإضافة موضوعات ذات أهمية، مثل: إلقاء الضوء على سمات التطرف فى ضوء المعطيات الجديدة، التى رسمت الفوارق الكبيرة بين موجة الإرهاب فى السبعينات والثمانينات من القرن الماضى، وبين الموجة الحالية، من زاوية عدم اعتماد المتطرف على بنية فكرية، وعدم الاعتماد على الاحتكاك المباشر، وتراجع الجانب الفكرى على حساب بروز الجانب النفسى، وأثر ذلك فى قصر مدة التجنيد، والجانب النفسى لجماعات التطرف لم يأخذ حقه فى الدراسة والبحث عند المتخصصين فى هذا المجال، مع ما له من أثر كبير محورى فى رصد جماعات التطرف والعنف.