«בזויים» حقرة.. هكذا ترى إسرائيل العالم

صلاح البلك

صلاح البلك

كاتب صحفي

الإفراط فى القتل والإبادة التى تقوم بها إسرائيل فى غزة يجبرنا على تحرى الصورة الذهنية لديهم عن «الآخر» خارج الانتماء لليهودية ودولة إسرائيل، كونهم يعدونها دولة دينية، ويسعون إلى تحقيق ذلك عبر مخطط محكم سينتهى حتماً إلى ما يرمون بحسب معتقداتهم.

لا يعترفون بأى ديانة أو قومية، ولا يرون من هذا العالم سوى أنفسهم، وإن تملكتهم نزعات التقسيم الداخلى فيما بينهم، ولكنها تبقى فى إطار المقبول والمؤجَّل إلى حين الخلاص من «الحقرة» فى أنحاء العالم من المسيحيين والمسلمين والعرب والهنود فى قائمة لا تستثنى منهم أحداً.

فى كتاب «مفهوم الآخر فى اليهودية والمسيحية» للدكتورة رقية العلوانى (أستاذة الدراسات الإسلامية جامعة البحرين) وآخرين بينت أنّه لا يزال التباين والاختلاف بين الجماعات اليهودية البالغ حد الصراع قائماً فى العصر الحاضر، إذ يشير اليهود إلى غير اليهود بكلمة «Gentiles» وهى كلمة من أصل لاتينى (gens) وُضعت للإشارة إلى غير اليهود، ويتضمن المصطلح مفهوماً يشير إلى نظرة دونية واحتقار لغير اليهود. وتؤكد الموسوعة اليهودية أنّ ما كُتب فى التوراة والتلمود حول الأغيار ممّا يحمل طابعاً سلبياً وعدوانياً إلى حد كبير، إنّما يتأتى من كون هؤلاء الأغيار هم من الوثنيين الذين وقفوا فى وجه بنى إسرائيل. وهكذا تتضح المحاولات المتواصلة من جانب الدراسات اليهودية الحديثة لتضييق مفهوم مصطلح «الآخر» أو «الأغيار.. גויים» وتحديد دائرته فى الوثنيين للتكيف مع ظروف تُحتم على الجماعات اليهودية العيش فى واقع يضم مختلف الأجناس من البشر.

مع التوغل والإمعان فى تتبُّع الأمر تفضح الدراسة القيِّمة مجمل المعتقدات والنصوص التى وردت فى التوراة والعبارات التى تبين طبيعة النظرة إلى الآخر المختلف عن اليهودى المقدس فى الأصل.

فكرة الاختيار الإلهى لبنى إسرائيل، كما أوردتها دكتورة رقية، عقيدة جوهرية عندهم، عززتها نصوص التوراة، فقد جاء فى سفر التثنية 7/6-8: «لأَنَّكَ أَنْتَ شَعْبٌ مُقَدَّسٌ لِلرَّبِّ إِلهِكَ. إِيَّاكَ قَدِ اخْتَارَ الرَّبُّ إِلهُكَ لِتَكُونَ لهُ شَعْباً أَخَصَّ مِنْ جَمِيعِ الشُّعُوبِ الذِينَ عَلى وَجْهِ الأَرْضِ 7 ليْسَ مِنْ كَوْنِكُمْ أَكْثَرَ مِنْ سَائِرِ الشُّعُوبِ التَصَقَ الرَّبُّ بِكُمْ وَاخْتَارَكُمْ لأَنَّكُمْ أَقَلُّ مِنْ سَائِرِ الشُّعُوبِ. 8 بَل مِنْ مَحَبَّةِ الرَّبِّ إِيَّاكُمْ وَحِفْظِهِ القَسَمَ الذِى أَقْسَمَ لآِبَائِكُمْ أَخْرَجَكُمُ الرَّبُّ بِيَدٍ شَدِيدَةٍ وَفَدَاكُمْ مِنْ بَيْتِ العُبُودِيَّةِ مِنْ يَدِ فِرْعَوْنَ مَلِكِ مِصْرَ» وغير ذلك من النصوص. وعند قراءة التوراة، يحمد اليهودى الإله لاختياره هذا الشعب دون الشعوب الأخرى.

وينتقل الكتاب إلى التلمود والذى جاءت نظرته للآخر أكثر حدة فى بعض النصوص كما أوردتها الموسوعة اليهودية حول الأغيار وكيفية تعامل اليهود معهم:

- اليهود هم البشر، أما غيرهم فهم ليسوا من البشر، بل وحوش وشياطين.

- المرأة الحامل من الأغيار ليست أفضل من الحيوان الحامل.

- غير اليهود جاءوا من أرواح غير نقية تسمى خنازير.

لم يترك الكتاب فرصة لأحد فى رصد حقيقة النوايا المبيتة لكل من على وجه الأرض لدى اليهود وكشف الحقيقة الصادمة والتى تصلح أساساً لتفسير السلوك الوحشى والإمعان فى القتل الذى تُقدم عليه دولة الاحتلال دون وازع من ضمير أو إنسانية فى كل منطقة تصل إليها، فهى تنفذ تعاليم دينية واضحة ساهمت فى صناعة مفاهيم وترسيخ معتقدات دون الحاجة إلى مبررات، ويكفى أنها تعليمات وأوامر الرب واجبة الطاعة.

يحظى العرب بالقدر الأكبر من المشاعر العدائية لدى اليهود ودولتهم «دولة من المتطرفين» والتى اشتهرت فيها عبارة «العربى الجيد هو العربى الميت» التى تفضح نواياهم تجاه العرب.. يتساوى فى ذلك من ناضل وحارب ضدهم مع من تخاذل وهادن وطبَّع مخادعاً لنفسه ومخالفاً لما تفرضه الأحداث التى تستوجب التمترس خلف كل من يواجه ويقاوم بالسلاح والكلمة أو صناعة الوعى المقاوم بالشراكة مع كل الشعوب وأصحاب الحضارات التى يتهددها الخطر الإسرائيلى بنفس القدر.