الحشاشين وجودر يربحان الرهان في سباق رمضان

الحشاشين وجودر يربحان الرهان في سباق رمضان
ما بين سحر التاريخ والفانتازيا بعوالمها المليئة بالخيال نجحت الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية أن تقدم وجبة تاريخية دسمة وثرية لجمهور الدراما العربية فى الموسم الرمضانى، ونجحت تلك الأعمال فى أن تتصدر قوائم المشاهدة لتكون على قدر المنافسة، ليس فقط على مستوى قوة العمل فى الكتابة والإخراج والتمثيل، ولكن كسر النجاح سقف التوقعات بعد ما قدّمت الإبهار البصرى على مستوى الأزياء والديكور والمؤثرات البصرية.
كما لم يقدَّم من قبل فى الدراما العربية، ليكون موسم الدراما الرمضانية 2024 بمثابة نقلة نوعية فى تاريخ الدراما التاريخية على المستوى الفنى بميزانيات إنتاجية ضخمة، مما يعيد مرة أخرى الدراما التاريخية للمنافسة، وتعود معها سيطرة الفن المصرى على الساحة الدرامية عن جدارة.
صاحَب الكاتب عبدالرحيم كمال والمخرج بيتر ميمى الجمهور فى رحلة إلى القرن الحادى عشر الميلادى من خلال مزيج سحرى جمع الدراما والتاريخ، روى قصة حسن الصباح وكيف تحوَّل من شخص عادى إلى واحد من أخطر الرجال فى التاريخ تاركاً إرثاً دموياً تستند عليه الجماعات الإرهابية فى تحقيق أهدافها السياسية، بعد ما نجح فى إقناع أتباعه بأنه صاحب مفتاح الجنة، دخولهم إليها أو خروجهم منها مرهون بكلمة منه، ليكوِّن جماعته التى أرعبت العالم خلال تلك الفترة.
وعلى مدار الـ30 حلقة من مسلسل «الحشاشين»، رأى الجمهور العديد من اللمحات التاريخية للحياة فى هذا الوقت ما بين مدن أصفهان وسمرقند فى دولة السلاجقة، والقاهرة فى ظل الشدة المستنصرية تحت الحكم الفاطمى، والقدس وبغداد مقر الخلافة العباسية، والبناء المعمارى المميز لكل مدينة، من منازل العامة ودكاكينهم وصولاً إلى قصور السلاطين والأمراء التى حوّلها مهندس الديكور أحمد فايز من تفاصيل مدوَّنة فى الكتب إلى صورة مرئية واقعية، بالإضافة إلى قلعة ألموت التى لم يتبقَّ منها الآن سوى بعض الحجارة لتكون شاهدة على ما ارتُكب بداخلها باسم الدين.
ولم يكن التركيز خلال المسلسل على حسن الصباح فقط، بل تعرَّف الجمهور على شخصيات تاريخية لها إرث إنسانى وعلمى عظيم ما بين الشاعر والعالم عمر الخيام والإمام أبوحامد الغزالى الذى تصدى بقوة وحكمة وعلم للأفكار الباطنية الفاسدة، وغيرهما من الشخصيات البارزة فى تلك الفترة من التاريخ بداية من السلطان السلجوقى ألب أرسلان ونجله من بعده ملك شاه ووزيره الحكيم نظام الملك الطوسى، وغيرها من الشخصيات والقضايا التى واجهت العامة فى تلك الفترة الزمنية.
ومن الأحداث التاريخية إلى عوالم الفانتازيا وأجواء «ألف ليلة وليلة» الأسطورية فى «جودر»، الذى بدأ عرضه فى النصف الثانى من موسم الدراما الرمضانية 2024، بعد ما وقع اختيار الكاتب أنور عبدالمغيث والمخرج إسلام خيرى على قصة جودر ابن عمر المصرى ليقدماها فى مسلسل من 15 حلقة ليعيدا من خلالها الجمهور إلى عوالم «ألف ليلة وليلة» التى كانت من الطقوس الرمضانية التى ارتبط بها الجمهور المصرى والعربى لسنوات طويلة.
ونجح المسلسل بعد عرض الحلقات الأولى منه أن يخلق حالة من الانبهار بالمستوى الفنى للعمل على مستوى التمثيل واختيار الممثلين، وجودة القصة والإخراج، وإبهار العناصر الفنية المرئية من ديكور وإضاءة وأزياء والمؤثرات البصرية التى جاءت بمستوى عالمى، ليرفع سقف الطموحات تجاه الأعمال التاريخية المصرية.
ويؤكد أن نجاح «الحشاشين» لم يكن مصادفة، ولكنها استراتيجية واضحة من قبَل الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية تبدأ من خلالها فصلاً جديداً فى دفع الدراما المصرية إلى مستويات أبعد تعتمد فيها على التقنيات الحديثة والكوادر الفنية فى تقديم أعمال ترفع سقف التحدى إلى مستوى يصعب الوصول إليه.
«نقلة نوعية فى تاريخ الدراما التاريخية»، هكذا وصف الناقد محمود قاسم مسلسل «الحشاشين»، مشدداً على أهمية الدور الذى قامت به الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية فى إعادة الدراما التاريخية إلى الساحة الدرامية مرة أخرى، وهو ما يعمل على سد الفجوة التى تسبب بها الغياب واستغلها البعض فى تقديم أعمال تروج لأحداث تاريخية وبطولات لشخصيات زائفة.
وقال فى تصريحات لـ«الوطن»: «الحشاشين قدّم صورة ثرية للغاية تعكس مدى ضخامة الإنتاج الفنى للمسلسل، ولم يتوقف إبهار العمل على الصورة فقط، بل تجاوز إلى الكتابة والإخراج، بالإضافة إلى التمثيل الذى كان بمثابة مباراة مبهرة، بين كريم عبدالعزيز وفتحى عبدالوهاب وأحمد عيد، بالإضافة إلى الفنانة ميرنا نور الدين التى تُعتبر من مكاسب هذا العام».
وعلى الجانب الآخر، أشار «قاسم» إلى أن المخرج إسلام خيرى يخطو خطوة مهمة للغاية من خلال مسلسل «جودر»، وذلك بعد نجاحه العام الماضى مع مسلسل «جت سليمة»، حيث قدّم من خلال المسلسل عملاً ثرياً متكاملاً على المستوى الفنى والبصرى، خاصة أن قلة الإمكانيات كانت دائماً تهدد نجاح هذا النوع من أعمال الفانتازيا التاريخية، ونجح المخرج فى توظيف الإمكانيات المادية والفنية فى خلق عوالم مبهرة نابضة بالإبداع.
ويرى الناقد طارق الشناوى أن مسلسلى «الحشاشين» و«جودر» قطعا خطوات بعيدة ومهمة فى استخدام المؤثرات البصرية والسمعية بشكل جيد جداً، موضحاً: «مسلسل الحشاشين هو أفضل عمل درامى هذا العام، وأداء الفنان كريم عبدالعزيز فى شخصية حسن الصباح يجعله الممثل الأفضل هذا الموسم، خاصة أن الشخصية مليئة بالصراعات الداخلية والخارجية ولديها قناعات خاصة، فهو لم يولد شريراً ولكن بداخله فهم خاطئ للدين، بالإضافة إلى تنامى نوع من النرجسية المفرطة بداخله جعلته يشعر بأنه بالفعل صاحب مفتاح الجنة».
كما أشاد الناقد طارق الشناوى باختيار الكاتب عبدالرحيم كمال للعامية المصرية لتكون لغة الحوار فى المسلسل بدلاً من اللغة العربية الفصحى، وهو ما يجعله يستحق أن يكون الكاتب الأفضل فى موسم الدراما الرمضانية، موضحاً لـ«الوطن»: «عندما اختار عبدالرحيم كمال العامية اختار مفردات لا تجرح جلال الحدث التاريخى، وهو ما يُعتبر الأصعب. من السهل أن تكتب بالفصحى، ولكن الأصعب أن تكتب بالعامية وترقى إلى رصانة الفصحى، وهو ما قام به عبدالرحيم كمال».
وقالت الناقدة ماجدة خيرالله إن مسلسل «الحشاشين» عمل لا يحدث مرتين فى زمن واحد على حد تعبيرها. وأوضحت، فى تصريحات لـ«الوطن»: «الحشاشين عمل فنى على مستوى فاخر، سواء فى الصورة والموضوع والأزياء، بالإضافة إلى تصميم المعارك الذى كان مذهلاً لدرجة كبيرة ويعكس تقدماً هائلاً فى الدراما المصرية»، وعن مسلسل «جودر»، أضافت: «نجح المخرج إسلام خيرى والكاتب أنور عبدالمغيث فى خلق مرادف بصرى للقصة ترتفع بعظمة الخيال المصنوع لتقترب أو تتفوق أحياناً على قدرة المتفرج العادى على التخيل».
ومن جانبه يرى الناقد محمود عبدالشكور أن الإنتاج الضخم لمسلسل «جودر» ساعد على تجسيد الخيال ومنح تلك النوعية الصعبة من أعمال الفانتازيا سحرها اللائق، بينما نجح المخرج إسلام خيرى من خلال عناصر فنية متميزة ومواهب حقيقية فى رفع سقف الإجادة والإتقان بشكل نقل هذا النوع من الدراما إلى منطقة أخرى على حد تعبيره.
وتابع «عبدالشكور» حديثه عن مسلسل «جودر»، قائلاً: «نجاح المسلسل فى رأيى لن يضيف فقط عملاً مميزاً لدراما رمضان 2024، ولكنه سيفتح الباب أيضاً لعودة أقوى لاستلهام عالم ألف ليلة وليلة فى ثوب جديد بإمكانيات إنتاجية وتقنية استثنائية، ومن يدرى فقد ينتقل هذا العالم إلى السينما بكل سحرها وإبهارها وبكل قدراتها على ترجمة الخيال إلى صور وألوان وخدع مذهلة ومتفردة».