الصبر الفلسطيني
كنت في منتدى أكاديمي بعد أسابيع من عملية طوفان الأقصى، قام أحد المشاركين وسأل السيدة المحاضرة: إننا نشك في أن هذه العملية – طوفان الأقصى – مدبرة باتفاق بين حماس وإسرائيل، وأن قادة حماس الذين يعيشون خارج غزة منعمين مرفهين هم من قاموا بالاتفاق لأغراض سياسية – هذا كلامه -، وللأسف لم تعترض المحاضرة على كلامه المرسل، بل أعطت إجابة توحي بموافقتها على رأيه.
وعندما طلبت الكلمة ودحضت ما قاله الرجل وما وافقت عليه السيدة، أبدت امتعاضها مما أبديته، رغم أننا في محفل علمي.
هذا التصور الساذج عن عملية طوفان الأقصى وعن التخطيط والترتيب لها واستسهال القول بأنها عملية متفق عليها بين الطرفين هو ناتج هزيمة نفسية داخل البعض ممن يرون أن إسرائيل لا يمكن أن تُهزم.. وأن المقاومة الفلسطينية لا يمكن أن تنتصر.
مثل هذا التصور وغيره من التصورات الانهزامية يجعل صاحب هذا الرأي يرتاح لما أبداه على أساس أنه يشاهد عملا سينمائيا يتفق فيه الممثلون والمخرج وكل العاملين به على ما سيتم تصويره ولا يخرج أحد عما تم الاتفاق عليه.
واستكمالا للتصورات بشأن طوفان الأقصى وعمليات المقاومة، كان تيار لا واعي يتسرب بقوة إلى وسائل الإعلام العربية يقول بأن قادة المقاومة يعيشون في رغد في عواصم أخرى بعيدا عن القتل والتدمير في غزة وأنهم غير معنيين بما يحدث على أساس أنهم يحصلون على ملايين الدولارات من دول بعينها، وقد جاءت عملية اغتيال أبناء وبعض أحفاد إسماعيل هنية أحد كبار قادة المقاومة لكي تظهر مدى سذاجة القائلين بأنها عملية مدبرة وأن القادة وعائلاتهم يعيشون في الفنادق خارج غزة.
ثبت أن هناك مبدأ رسخه تاريخ طويل من المقاومة وهو مبدأ "وحدة الدم" أي اللا تفرقة بين دم القائد وعائلته وبين دم المواطن العادي، الكل سواء، يستشهدون بنفس آلة الموت ويحاربون جميعا وبطونهم خاوية في مواجهة – عدو – لا يعرف القوانين الدولية أو المحلية ولا يعترف بالمنظمات الأممية ويرضع من لبن أمه أمريكا ما يؤمن له استمرار حياته وسلاحه وطعامه بينما العالم والدول الكبرى تقف متفرجة على الإبادة التي تمارسها قوات الاحتلال بمنهجية وقسوة.
إن تفاخر الجيش الصهيوني بعملية اغتيال أبناء هنية ليس جديدا في عقيدته التي تبيح الدم وحتى قتل الأطفال والشيوخ، لكن إرساء وتكريس هذا المبدأ يعني أن الآخر يمكنه ممارسة نفس النوع من القتل، يمكنه أن يغتال قادة صهاينة وأطفالا ونساء وشيوخ بدون أن يشعر بتأنيب الضمير، الفرق أن العالم وقتها سينتفض ويتهم الفلسطينيين بأنهم إرهابيين وسيقوم قادة الدول بتعزية إسرائيل المسالمة التي يتعرض مواطنوها للقتل غيلة.
إن الشعب الفلسطيني منح العالم صياغة جديدة لمعنى الصبر، فقد تعرضت شعوب وأمم ودول للاحتلال والقسوة والتدمير، لكن الشعب الفلسطيني يسطر على مدى ما يزيد على قرن ملحمة تعتبر، من ملاحم الصبر والجلد والتحمل ندر أن يكون عاناها شعب آخر.
لن أمًل من التذكير بأن ما أخذ بالقوة .. لا يسترد بغير القوة.