عصام زكريا يكتب: 30 يوما في سجن الدراما
على مدار ثلاثين يوماً، أستيقظ وأنام على مسلسلات موسم رمضان.. العدد كبير، بالرغم من أنه أقل من سنوات سابقة وصلت فيها الأرقام إلى ما يقرب من مائة مسلسل، فى حالة تسابق وتصعيد جنونية أضرت بالجميع.
لم يزل العدد كبيراً، وساعات النهار والليل لا تكفى لمشاهدة كل شىء، ناهيك عن القيام بأى نشاط اجتماعى آخر.
وعندما تكون مشاهدة الأعمال الفنية، الجيدة والرديئة، التى تروق لذوقك، أو التى لا تحتمل تذوقها، جزءاً أساسياً من عملك، فإن المرء يشعر، بمرور الوقت، أنه صار سجيناً داخل قفص الدراما، رهين حجرة المعيشة، محاطاً بإطارات الشاشات بدلاً من القضبان.
عندما تكون الأعمال المعروضة جيدة، قادرة على سلب عقلك ومشاعرك، ونقلك إلى عالم جديد تعيش كأنك أحد سكانه، تتعاطف مع أبطاله، وتتمنى لهم النجاة، تكره الأشرار لدرجة أن ضغطك يرتفع، تعيش فى دوامة من كل أنواع المشاعر مع تقلبات المصائر وتصاريف الأقدار، تتأمل الحياة والموت والمرض والفرح والحب والصداقة إلى آخر ما يمكن أن يعتمل فى وجدان الإنسان.. وقتها تشعر بالامتنان لهذا السجن، وتتمنى أحياناً ألا تخرج منه، بل تفارق هذه الأعمال الجيدة كأنك تودع عزيزاً عليك.
لكن العكس يحدث أيضاً: الأعمال الرديئة تبدو مثل سجان بلا قلب لا يكف عن تعذيبك بالاستسهال والاحتيال على مشاعر المشاهدين البسطاء، يضحكك وهو يحاول أن يبكيك، و«يعكنن» عليك حين يحاول إضحاكك، يطاردك بقصصه وشخصياته الركيكة والسخيفة حتى فى الأحلام.
على الشاشة الواحدة يتجاور حلم الجنة، حيث تتمنى أن تبقى للأبد، مع كابوس النار، حيث تقفز كالملسوع راغباً فى الفرار، وتتقلب بين العالمين بواسطة قطعة صغيرة من البلاستيك اسمها «ريموت كونترول».
ثلاثون يوماً داخل زنزانة الدراما، بحلوها ومرها، تشعر بقليل من الحزن والفراغ وأنت تغادرها، منطلقاً ربما إلى واحد من عروض الساحات الشعبية المسماة بأفلام العيد.
قبل أن تغادر، تلقى نظرة متمهلة إلى الوراء، على الأعمال والشخصيات التى أسعدتك وآنست وحدتك وخففت عليك وطأة الأعمال الرديئة طوال الشهر، وتلقى عليهم السلام.
الوداع يا أصدقاء: «الحشاشين» و«مسار إجبارى» و«لحظة غضب» و«بدون سابق إنذار» و«بابا جه»، وإلى لقاء آخر قد يجمعنا مجدداً بعد انتهاء العيد!
الوداع يا سجن الدراما الرمضانية اللذيذ، ومنذ الآن فى انتظار موعد قضاء العقوبة التالية فى رمضان 2025!