ألف ليلة.. من زوزو نبيل إلى جودر

عصام زكريا

عصام زكريا

كاتب صحفي

من الرائع أن تعود الدراما المصرية لاستلهام «ألف ليلة وليلة»، ذلك الكتاب الساحر الذى خلب ألباب الملايين فى العالم على مر العصور، والذى يُعد أحد المصادر الأساسية للحكايات العجائبية (الفانتازيا) العابرة للمكان والزمان.

لكن «ألف ليلة وليلة» طالما ظلمت بمعالجات درامية خجولة لم تتطور كثيراً عما كانت تبثه الإذاعة المصرية سنوياً (فى رمضان) بصوت الساحرة زوزو نبيل، التى كانت فائقة الجمال والتأثير فى زمنها (ستينات القرن الماضى).

وقد تعرّضت «ألف ليلة» لظلم شديد آخر بدأ فى الستينات بإصدار نُسخ «منقحة مهذّبة» عن دور النشر القومية (دار الهلال ودار الشعب) بجانب نسخ أخرى فى بيروت، ساهمت فى تراجع النسخ القديمة (ومن المعروف أن هناك نسخاً قديمة كثيرة من الحكايات، لعل أشهرها طبعة بولاق وطبعة برسلاو وطبعة الهند وطبعة صبيح). وقد وصل الظلم إلى ذروته مع تصاعد التيارات التكفيرية التى حرّمت «ألف ليلة» وطالبت بحرقها، بسبب ما تحتويه من خرافات وألفاظ جنسية.

ثم تعرّضت «ألف ليلة» لظلم أفدح على يد القائمين على التليفزيون المصرى، حين راحوا ينتجون منها أعمالاً رمضانية كسولة وخجولة لا تزيد على كونها حكايات للأطفال وربات البيوت. وليس معنى ذلك أن تحويل بعض قصص «ألف ليلة» إلى حكايات للأطفال خطأ فى حد ذاته، بل هو شىء جيد ومطلوب، لكن ذلك لا يعنى أن يقتصر الأمر على ذلك. وبمقدور «ألف ليلة» أن تتحول إلى أفلام عظيمة الشأن لا تقل عن أفلام مثل «سيد الخواتم» أو «نارنيا» أو مسلسلات مثل «لعبة العروش»، كما بمقدورها أن تُعاد معالجة مادتها فى صور أكثر عُمقاً وابتكاراً مثلما فعل نجيب محفوظ فى رائعته «ليالى ألف ليلة». وقد تردّدت الأخبار على مدار السنوات الماضية حول تحويل رواية محفوظ إلى مسلسل أو سلسلة أفلام ولم يحدث.

ولعل مسلسل «جودر» يكون محفّزاً للتفكير فى إنتاج أعمال أضخم إنتاجاً وأكثر إبداعية.

ورغم الجهد المبذول فى المسلسل، فقد لاحظت أنه يترك كنزاً على «بابا الأصلى»، أى كتاب «ألف ليلة»، ليقتبس بعض الحلى الرخيصة من الأنماط الهوليوودية والمصرية، مثل قرار البطل بالسفر لتجهيز عروسه المنتظرة، أو حديث الطبيب لشهرزاد عن أزمة شهريار «الداخلية النفسية» و«العقدة» التى أصابته بسبب خيانة زوجته، وقتل الجنى بطعنهم بالخناجر، وقبل كل ذلك اعتبار أن أسوأ ما كان يفعله أشرار هذا العصر هو ذهاب إخوة جودر إلى الحانة لاحتساء الخمر ومصاحبة الغانيات، وقيام «مرابٍ» بابتزاز سيدة عجوز للزواج من ابنتها الصغيرة، بل إن الجنيّة نفسها، حين تتنكر فى هيئة بشرية، تتحول إلى راقصة فى «كباريه» (وذلك فى زمن الجوارى اللاتى يُبعن فى الأسواق!).

وقد لاحظت أيضاً أن الأشرار كلهم يدخّنون النارجيلة (الشيشة)، علماً بأنها لم تدخل مصر سوى فى عهد محمد على.

مع ذلك، فمن الرائع أن تعود الدراما المصرية إلى «ألف ليلة وليلة»، على أمل أن تتواصل هذه العودة بأعمال أكثر إبداعاً وجرأة، يمكننا أن نتباهى من خلالها بأننا موطن «ألف ليلة وليلة» ومنبع الفانتازيا.