محمد مسعود يكتب: نادين خان تحدد «مسار إجباري» للدراما المصرية
منذ عرض مسلسل «سابع جار»، أنتظر العمل الذى يمثل انفجاراً لموهبة نادين خان، العمل الذى يشهد على قدرتها، ويؤكد مكانتها كمخرجة صف أول، سواء فى السينما أو الدراما المصرية.
نادين -بلا شك- موهوبة منذ عملها الأول، ومبشرة منذ أن كانت مساعدة، ربما بحكم جينات وراثية من والدها المخرج الفذ محمد خان، وجاء مسلسل «مسار إجبارى» الذى كتب معالجته الدرامية باهر دويدار، وصاغ له السيناريو والحوار أمين جمال ومحمد محرز ومينا بباوى، لحساب الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، ليؤكد على مكانة نادين وموهبتها وإخراجها لعمل جدير بالمشاهدة، رغم أنه لا يحمل اسم ممثل كبير، بينما يتقاسم بطولته شابان «أحمد داش»، و«عصام عمر»، ويبدو أن رهان نادين عليهما كان رهاناً رابحاً، وثقة المخرجة وجهة الإنتاج فى إمكانياتهما كانت فى محلها تماماً.
يراهن مسلسل «مسار إجبارى» على أن القصة والسيناريو والحوار هما عامل الجذب الأول والضمان الأكيد لنجاح أى مسلسل درامى، فالمشاهد العادى لا يهمه جمال وعمق الكادر، بقدر ما يهمه التناول للقصة التى تمسه أو لا تمسه، تهمه أو لا تهمه، وقد لا يكترث إن كان التصوير داخلياً فى بلاتوه ضيق، أو فى شوارع خارجية، بقدر ما يكترث باحترام عقله فى تقديم قصة تُقنعه، ومن هنا كان عامل النجاح الأول للمسلسل الذى أعتبره الحصان الأسود لشهر رمضان.
السطور السابقة لا تعنى على الإطلاق التهاون فى جمال الكادر أو المتنفس فى التصوير الخارجى أو المصداقية فى التصوير فى الأماكن الحقيقية، لكنها أشياء وعناصر إن أضيفت لجودة القصة وتشويقها وجودة السيناريو ورُقى الحوار حتى ولو كان فى مستوى شعبى، فأنت ستكون أمام عمل فنى يبحث عن التكامل.
بدأ المسلسل بسقوط «عمر البرنس» فى قاعة المحكمة، وإبلاغ أهله من قبَل المستشفى الذى يعالج به، ليكتشفوا أن الأب يجمع بين زوجتين منذ أكثر من عشرين سنة، وكلتاهما لا تعرف بحقيقة الأمر، بل إنه أنجب من السيدتين، ولا تعرفان الحقيقة، ليفاجأ الشابان بأنهما شقيقان، وتقترب العلاقة كما يقترب العالمان، عالم «على» الذى يدرس فى كلية الحقوق ويطمع فى منحة دراسية بفرنسا، ومن فرط إلمامه بالمناهج يعطى دروساً خصوصية، وبين «حسين»، الذى يملك سيارة لبيع الساندويتشات سريعة التحضير، وتشتعل الأحداث باعتراف الأب بالحصول على رشوة، وأنه يملك دليل البراءة لمتهم حُكم عليه بالإعدام ظلماً بسببه، معلناً عن نيته تقديم دليل البراءة للنيابة فور خروجه من المستشفى، لكنه يتعرض للقتل داخل المستشفى ليجد الشابان نفسيهما أمام الظروف والمجتمع والعصابة التى تبحث عن الدليل. قررت نادين خان ألا تعتمد على جودة «الحدوتة» فقط، بينما اختارت أن تنزل الكاميرا إلى الشارع، ربما بحكم الاقتناع وربما بحكم ما ورثته عن والدها الملك محمد خان الذى كان يفضل الإخراج فى الأماكن الحقيقية، وجدنا أحياء مصرية عديدة وأماكن حقيقية، تعاملت المخرجة مع النص وكأنه نص سينمائى وليس دراما تليفزيونية، وجدنا أن الكاميرا مكانها الشارع بين الشخصيات، لتكون الصورة والحدث أقرب إلى الحقيقة.
وكما برعت نادين خان فى اختيار أماكن التصوير، برعت أيضاً فى اختيار فريق العمل من الممثلين، صابرين «الزوجة الأولى» وبسمة «الزوجة الثانية» كلتاهما تبدو مختلفة فى طريقة تمثيلها عن كل تجاربهما السابقة، وكذلك أحمد داش وعصام عمر كوَّنا ثنائياً مدهشاً وجديداً على الدراما المصرية التى لم تعتد على أن يلعب البطولة شباب فى عمرهما، لكن يبدو أن تجربة «مسار إجبارى» سيكون للدراما التليفزيونية من اسمها نصيب، فالمسار أصبح بالفعل إجبارياً لتحديث وجوه أبطالها ومخرجيها ومؤلفيها، فما فعلته نادين خان فى المسلسل سيترك أثراً كبيراً وسيفتح الباب للبطولات الشبابية، والتجارب الإخراجية الجديرة بالحصول على فرصة.