«الشركة المتحدة» كيف ولماذا ؟! (2)

أحمد رفعت

أحمد رفعت

كاتب صحفي

ملامح المشهد الإعلامى قبل 2014 يتذكرها الجميع.. فليس العهد ببعيد.. المال هو سيد كل شىء.. الربح هو الهدف الأساسى «المعلن».. قوى أخرى تستهدف هذا البلد الآمن وتريد العبث فى تركيبته من خلال التأثير فى قيمه وأخلاقياته التى يجب حمايتها حتى لو لم ينص الدستور على ذلك.. أعمال درامية متدنية المستوى والمحتوى تنقل صورة غير صحيحة -ولا حتى قريبة- عن مجتمعنا تسىء لكل شىء فيه من المرأة إلى الشباب ومن الأسرة إلى الدولة.. برامج لا هدف لها إلا الترويج للتفاهة والسطحية والابتذال مع السخرية والتسخيف من قيمة العمل والشرف والشهامة والكرم.. إلخ الخ.. وإعلانات خارجة عن كل القيم تضرب فى صميم الآداب العامة فى مصر دون رادع من رقيب ولا وازع من دين ولا حسيب من قانون فى فوضى شبه شاملة أو شاملة أساءت إلى تاريخ مصر وسمعة أبنائها ووضعت ملايين المصريين بالخارج فى حرج بالغ جداً بعروض الدراما المصرية التى وضعتهم فى مأزق أدبى بين مضيفيهم من البلدان الشقيقة وإجبارهم على الدفاع عن مجتمعهم وشعبهم!

هذا المرور السريع على بعض ملامح المشهد الإعلامى وقتئذ ضرورى ليس للتذكرة التاريخية فحسب فى مأساة حقيقية عانى منها المصريون حينئذ وإنما ضرورة لمعرفة الفارق الكبير الذى جرى خلال هذه السنوات ولم يحدث صدفة بل بتخطيط سبقته إرادة سبقها قرار بإعادة الانضباط لملف الإعلام كله من أوله إلى آخره.. من تراخيص الصحف والفضائيات إلى المحتوى المقدم مروراً بتصاريح الأعمال والموافقة عليها إلى تراخيص العمل للعاملين فى المجال إلى السيطرة -أو محاولة السيطرة- على المحتوى المقدم أو التأثير فى مساحته الإيجابية لتبتلع المساحة السلبية التى تحتاج إلى وقت لكشفها وتعريتها وابتعاد الناس عنها.. خاصة أن منع ذلك بالقوة أو بقرار إدارى فوقى سيكون صعباً وسيصطدم بالقانون الذى يؤكد حرية الإعلام، حرية العمل الاقتصادى، والإنتاج والإعلان التليفزيونى جزء أساسى منه ورأس مال متربص اختلط فيه الأجنبى بالإخوانى بالمستغل، والتصدى برفق حتى لو استغرق وقتاً أطول سيكون فى أغلب الأحوال أفضل من التصدى الخشن، وخاصة أيضاً فى ظل معركة حامية جداً وشريفة -وقتها- مع الإرهاب تتطلب وحدة المجتمع ضدها وفى مواجهتها وليس تفكيك الصف الوطنى.. وعالم خارجى يراقب ويقيم ويصدر بياناته بحالة تربص غير مسبوقة بمصر أعطت الانطباع بأنه كما لو كان لا يوجد دولة فى العالم إلا بلدنا!!!

كل هذه عوامل كانت فى مواجهة المكلفين بالتعامل والاشتباك مع الملف الإعلامى.. وقد بلغ -وقتها- حداً لا يمكن السكوت عليه أو القبول به...لكنها كلها أو أغلبها على الأقل لم تكن فى خاطر الكثيرين أو علمهم أو وعيهم أو رصدهم.. البعض أفقه توقف عند برنامج ساخر أول ما يسخر منه برسائل مبطنة هو جيشنا العظيم أو آدابنا العامة يلقى دعماً هائلاً من إعلام إلكترونى مشبوه وموجه ضد مصر دون أن يلحظ السبب أو الأهداف أو الرسائل.

كل هذه العوامل لم يدركها العامة وبسطاء المصريين ممن قلنا بالمقال السابق أنهم هدفنا من هذه السلسلة من المقالات ليعرفوا -فى ملف الإعلام- الفارق بين ما كنا فيه وما أصبحنا عليه.. ليكونوا فى الصورة عند الحديث عن «الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية» ويستوعبوا ما جرى.. وليس فقط المعنى البسيط المباشر للجملة وأنها مجرد شركة إنتاج إعلامى عادى.. لا.. لم يكن الأمر كذلك وللحديث بقية.