مسار إجباري في الاتجاه الصحيح!

عصام زكريا

عصام زكريا

كاتب صحفي

يحلق مسلسل «مسار إجبارى» فى منطقة وحده، لا ينافسه فيها عمل آخر، يمكن أن نصفها بأنها «منطقة طبيعية». بقعة هادئة مثل المتنزهات الخضراء التى تستطيع فيها أن تتنفس هواء نقياً، أو كأنك خرجت للتو من أحد المصانع التى تعج بضجيج الماكينات وحركة الروبوتات لتجد نفسك، فجأة، وسط بشر عاديين من لحم ودم.

بعد حلقة أولى متواضعة إخراجاً وتمثيلاً، لا أعلم كيف تتفاوت فنياً إلى هذه الدرجة مع بقية حلقات المسلسل، يبدأ «مسار إجبارى» فى اتخاذ مسار رائق، واضح المعالم، تتزايد سرعته، وتسلس قيادته، حلقة بعد الأخرى.

من قصتين ميلودراميتين مستهلكتين حول المتهم البرىء الذى يوقع به كبار الفاسدين، المجرمين، والأب الذى يموت فجأة تاركاً أسرتين لا تعلم أى منهما بوجود الأسرة الأخرى، وأخين يبدأ كل منهما فى تقبل وجود الآخر، ويخوضان معاً معركة ضد قوى الفساد المجرمة.. من هذه الخطوط النمطية يخرج عمل متميز، يحمل جواً وطعماً مختلفاً، وهو أمر قد يثير العجب، ولكنه يؤكد للمرة المليون أن العبرة فى الفن ليست بالموضوع الذى تختار رسمه، ولكن بالطريقة التى ترسمه بها.

يكمن السر، حسب تصورى، فى الأسلوب الذى تبعته المخرجة نادين خان فى معالجة الموضوع.

أول معالم هذا الأسلوب هو اختيار المواقع التى يتم فيها تصوير الأحداث، وهذا، يعلم الله، اختيار حاسم فى بعض الأحيان، إذ يجبر بقية عناصر العمل، من تصوير وتمثيل وملابس وماكياج إلى آخره، على التوافق مع المكان. لا يوجد فى المسلسل سوى القليل من الديكورات، ومعظمه يصور فى الشوارع، أو داخل شقق ومحلات ومحكمة ومستشفى وجامعة حقيقية، وهو ما يستدعى تحرك الممثلين وسط الناس والتحدث كما يتحدث الناس.

العنصر الثانى هو اختيار الممثلين، وهو أمر فى غاية الأهمية أيضاً، فوفقاً لاختيار أماكن التصوير من الطبيعى أن يتم اختيار ممثلين يحملون قسمات هذه الأماكن، ويبدون ويتصرفون مثل البشر العاديين. وقد وقع اختيار صناع العمل على شابين موهوبين هما أحمد داش وعصام عمر للعب دور الأخين، كما وقع اختيارهم على كل من صابرين وبسمة للعب دور الزوجتين المصدومتين، وكذلك فيما يتعلق ببقية فريق الممثلين.

ولا يمكن الحديث عن الممثلين بمعزل عن طريقة الأداء التى يتبعها الممثل وعن توجيهات المخرج، ولطالما تميزت أعمال نادين خان بممثليها وأدائهم الطبيعى، ليس الأبطال فقط، ولكن كل الممثلين، حتى لو كانوا يؤدون مشهداً واحداً.

يمتد هذا الأسلوب إلى بقية العناصر من حوار وتصوير ومونتاج وموسيقى، ومعالجة للوجه التشويقى البوليسى من العمل، الذى يمتزج ببساطة داخل الدراما العائلية، وبقية العناصر، فيأتى طبيعياً، واقعياً، ما يزيد من تأثير هذا التشويق، ويجعله أكثر إرعاباً من أعمال أخرى تعج بالأشرار والمعارك المضحكة.