لغة المسلسلات بين «الخيام» و«ريهام حجاج»
سواء كانت اللغة التى تنطق بها شخصيات تاريخية، كما فى «الحشاشين»، أو التى تنطق بها شخصيات «شعبية»، كما فى «مسار إجبارى» أو «صدفة» أو «عتبات البهجة»، تُثار الملحوظات حول عدم ملاءمة، أو مبالغة، ولا واقعية هذه اللغة.
والحقيقة أن اللغة التى تنطق بها الشخصيات هى أصعب العناصر الفنية فى مجال الدراما منذ أن ظهرت الدراما على أرض المسرح الإغريقى، وربما قبله. وأصعب شىء على الإطلاق هو تحقيق ما يُطلق عليه «واقعية» اللغة.
بداية يجب أن نضع فى اعتبارنا أن تعبير «الواقعية» هذا حديث، ظهر فى نهاية القرن التاسع عشر مرتبطاً ببعض الروايات ولوحات الفن التشكيلى، ثم ارتبط بأعمال الفنانين الذين تأثروا بأفكار الصراع الطبقى للماركسية.
وقبل ذلك لم تكن الواقعية شرطاً أو مطلباً، لأنه كان مفهوماً منذ أن ظهر الفن بأنه ليس هو الواقع، ولكنه مجرد إيهام بوجوده من خلال قالب فنى له قواعده ونظامه. وكان حوار المسرحيات الإغريقية يُكتب شعراً، وكذلك أعمال شكسبير، وجوته، وحتى عندما تم التخلى عن الشعر الموزون المقفى فى المسرح، كان الحوار يُكتب بلغة شعرية، مكثّفة، وموحية.
ورغم أن كل الشخصيات كانت تنطق شعراً، أو لغة فصيحة شاعرية، لكن الأدباء الكبار كانوا يحرصون على أن يكون لكل شخصية مفردات وتركيبات وصور لغوية تعكس وضعهم ورتبتهم الاجتماعية والتعليمية، وخلفيتهم الجغرافية والتاريخية. وذلك لأنه ليس مطلوباً من لغة الأعمال الفنية أن تحاكى الواقع كما هو، ولكن أن توحى به. وحوار كل شخصية يجب أن يوحى بخصوصيتها.
لقد كان نجيب محفوظ يكتب حوارات كل شخصياته بالفصحى، حتى التى تعيش فى قاع الحوارى، كما أن هذه الحوارات مختزلة، ومصفاة، ولكنها توحى بمكنون وطبيعة وبيئة كل شخصية.
أما صلاح جاهين فكان يكتب بالعامية، ولا يعنى ذلك أنها ليست شعراً، ويكفى أوبريت «الليلة الكبيرة» وشخصياته الكثيرة التى تنطق كل واحدة منها بمفردات وعبارات تنم عن خصوصيتها.
المسألة ليست بكتابة الحوار بالفصحى أو العامية، أو بكون الشخصيات تعيش فى أحد القصور، أو فى حارة سد.. المشاهد يعلم جيداً أنه أمام ممثلين يؤدّون أدواراً، وينطقون بعبارات ليست لهم، ولكن كتبها مؤلف على لسان شخصية متخيلة. وبالتالى هو ينتظر فقط أن يصدق أن هذه الشخصية لشاعر مثل عمر الخيام عاش منذ ألف عام فى بلاد فارس، أو مدرسة تاريخ، مثل صدفة، التى تؤديها ريهام حجاج، تعيش فى حى شعبى فى قاهرة اليوم.
النقطة المهمة الأخرى هى نوع العمل الدرامى: مأساة، كوميديا، عمل خيالى، واقعى، الحوار عنصر من بين عناصر أخرى تشكل قوام العمل وأسلوبه وإيقاعه ومزاجه العام. بعض الأعمال تستدعى كثرة الحوار والصوت المرتفع، وبعضها يستلزم حواراً قليلاً ونبرة هادئة.
لا ينتبه معظم من يكتبون حوارات مسلسلات هذه الأيام إلى هذه المسائل، بقدر اهتمامهم بحشد مفردات وتعبيرات بعينها تتردّد على ألسنة معظم الشخصيات، وأحياناً بحشد أكبر عدد من الكلمات، لشغل أكبر مساحة من الوقت.