بابا راح.. بابا جه
حتى الآن، يبرز مسلسل «بابا جه» كأفضل عمل كوميدى فى دراما رمضان، بفكرته المبتكرة، وأحداثه السريعة، وحواره المركز، وتمثيله الطبيعى.
تمر الكوميديا المصرية بأزمة منذ عدة سنوات، ويغلب على معظمها عيوب هى بالضبط نقيض الصفات السابقة: أفكار وموضوعات مكررة، استظراف ونكات تتوالى بلا دراما، وحوار فارغ مرتجل وتمثيل مفتعل.
«بابا جه» كوميدى، ولكن قبل الكوميديا يحمل وجهة نظر، تتبدى فى اختيار موضوع مهم.. ربما يكون الأهم فى الدراما العربية، نراه فى الكثير من الأعمال، بكثير من الميلودراما والقوالب المتخشبة، وهو وضع الأب فى بنية الأسرة، والمجتمع، بين محاولة تهميشه والحد من سلطته وأهميته، والبحث دوماً عن صورته الخيالية كراعٍ، وحامٍ، وحاكم.
يلمس «بابا جه»، إذن، منطقة حساسة فى وعى المشاهد. ولكنه يفعل ذلك بطريقة فنية: خيال يخلق مساحة للاستكشاف والتفكير والضحك بحرية. أب كسول عاطل منذ سنوات (بعد أن فقد عمله خلال فترة وباء كورونا)، تعلن ابنته فى حفل مدرسى (مكررة كلمات أمها أثناء واحدة من مشاجرات الزوجين) بأنه «مالوش لازمة»، وتعرض التبرع به، فيقوم بأخذه طفل يتيم لا ينقصه فى الحياة سوى أب حتى لو كان مستعاراً.
وإذا كانت هذه أحداث الحلقة الأولى، فإن الحلقة الثانية لا تقل طرافة: أم الطفل اليتيم تعرض على الرجل أن يعمل كأب لابنها بشكل منتظم. وبعد استغراب ورفض يضطر للقبول بالعمل لمواجهة الكارثة المادية التى تلم به. وصديقه الذى يقنعه بقبول عرض المرأة ينشر إعلاناً على مواقع التواصل عن أب للإيجار لمن يريد. وكما هو متوقع تتوالى الاتصالات على الصفحة من قِبل الذين يحتاجون إلى أب لأسباب مختلفة!
بداية قوية للغاية، وإن كنت أتمنى ألا تكون بداية لعدد من الفقرات المنفصلة على عادة الكثير من الأعمال الكوميدية الأخيرة، وأن يكون هناك خط درامى متصاعد وراءه فكرة وهدف.
يقولون إن الشيطان يكمن فى التفاصيل، وكذلك الدراما أيضاً. وتفاصيل «بابا جه»، حتى الآن، جيدة جداً: أهمها أن أحداثه تبدو منطقية (رغم غرابتها)، وممثليه يؤدون بجدية دون افتعال للكوميديا (باستثناء المشاهد التنكرية بين البطل وبواب العمارة). أكرم حسنى فى أفضل حالاته، ونسرين أمين هادئة، تؤدى من منطقة دافئة وطبيعية. ومن بين كل الأطفال الذين تعج بهم المسلسلات فإن لافينيا نادر فى دور الابنة وأنس جمال فى دور الطفل الذى يحتاج إلى أب شديدا التلقائية. ولا يجب أن نمر على أوتاكا، فى شخصية الصديق الأحمق، دون أن أشير إلى أنه مصدر الكوميديا الأول فى العمل. وبالرغم من أنه دور نمطى، لكن الفارق هنا أنه يخلو من مبالغاته المعتادة.
ووراء كل هذا سيناريو جيد لوائل حمدى ومحمد إسماعيل أمين، ومخرج متمكن هو خالد مرعى.