عبدالمنعم رياض.. حديث آخر عن الأشياء التي لا تُشترى

إمام أحمد

إمام أحمد

كاتب صحفي

الشهيد البطل عبدالمنعم رياض ليس إلا ملمحاً من ملامح فلسفة الجيش المصرى، ومعنى من معانى هذه المؤسسة الوطنية التى شكلت على مدار التاريخ المصرى القديم والحديث الركيزة الأساسية لقيام الدولة واستمرارها واستقرارها.

سألنى صديق: ما الأشياء التى لا تُشترى التى قصدها الشاعر المصرى الكبير/ أمل دنقل فى قصيدته الأشهر؟ تضافرت الصور أمام مخيلتى، تداعت الإجابات وتداخلت على كثرتها. تاريخنا القديم لا يُشترى، حضارة الأجداد لا تُشترى، الثقافة والفنون والآداب لا تُشترى، البطولات المجيدة فى حياة الشعوب لا تُشترى.

عبدالمنعم رياض هو إحدى هذه البطولات. جاءت لحظة ميلاده مع عام الثورة المصرية ضد الاستعمار البريطانى، فى 22 أكتوبر 1919، بقرية برسباى التابعة لمركز طنطا بالغربية. ورث حب العسكرية عن والده الضابط بالجيش المصرى. عاطفة الابن كانت حاضرة منذ اللحظة الأولى فى بناء هذه البطولة التى سوف يُحتذى بها بعد ذلك.

يقول فريدريش هيجل الفيلسوف الألمانى الكبير إنه «لا يوجد إنجاز واحد فى عمر البشرية تحقق دون عاطفة». لكن العاطفة وحدها ليست كافية، والتعلق بمسار الأب لا يمكن أن يكون وحده الأرض الصلبة التى ستجعل من الابن قدوة تعيش إلى اليوم وقيمة عصية على النسيان.

تعلم عبدالمنعم رياض جيداً، أخذت شخصيته -الجادة على انفتاحها والمنفحتة رغم جديتها- تتكون عاماً وراء آخر، وأخذت معارفه تتسع وتتراكم وتتنوع من العسكرية والاقتصاد والسياسة إلى الفنون والآداب، حتى تحول من مجرد ابن قادته العاطفة إلى ارتداء الزى العسكرى إلى درس وطنى فى صفحات التاريخ!

بعد يونيو الحزين عام 1967، كان القدر يخبئ الفصل الأخير من بناء تلك البطولة، فكُلف من الرئيس جمال عبدالناصر برئاسة أركان الجيش المصرى والعمل على إعادة بناء المؤسسة العسكرية. أدى مسئوليته -إلى جانب الفريق أول محمد فوزى- على أتم وجه. شارك فى هندسة حرب الاستنزاف العظيمة، وبناء سيناريوهات حرب التحرير الكبرى التى سوف تحين لحظتها فى السادس من أكتوبر 1973 بينما هو كان قد غادر، لكن سيرته حاضرة، لأن الشهداء لا يموتون، والأبطال لا يسقطون من الذاكرة. جاءت لحظة استشهاده على الخط الأمامى لجبهة القتال فى التاسع من مارس عام 1969، لتظل إرثاً وطنياً يُحتفى به كل عام، وذكرى للفخر الوطنى لكل المصريين، ودرساً من الدروس الخالدة للعسكرية المصرية.

سلامٌ على الشهيد. . دائماً وأبداً.