اقرأوا الفاتحة على روح «السوق السوداء»
إنها «ضربة قاضية» جاءت فى وقتها للسوق السوداء للدولار، ضربة على وجه أولئك الذين امتهنوا المضاربة على الدولار ورفعه لأعلى سعر، أو بصريح العبارة -بلغة الملاكمة- إنها (لكمة) على وجه أولئك الذين ضاربوا على الدولار وزايدوا عليه وتسبّبوا فى ارتفاع أسعار كل السلع والمنتجات.. فماذا حدث؟
منذ صباح أمس، وتحديداً بعد قيام البنك المركزى بإصدار قرارات جادة وحاسمة بتسعير الدولار، طبقاً لآليات السوق، ورفع الفائدة بنسبة (٦٪) لتصل إلى (٢٧٫٥) على الاقتراض والإيداع، وإصدار شهادات بنكية بفائدة (٢٧٫٥٪) لمدة ثلاث سنوات.. كل هذا جعل المُضاربين على الدولار يُجن جنونهم، وسقطت السوق السوداء سقوطاً مدوياً، واختفى المضاربون الذين ارتضوا الإضرار بالاقتصاد المصرى، كانوا لا يدركون أن لدى الحكومة خطة مُحكمة لتوفير الدولار وإتاحته للمستوردين والمُصنّعين ورجال الأعمال، كانوا يظنون أنهم المُتحكمون فى الاقتصاد وحركته اليومية.. لكن انتصرت الحكومة وخاب ظن المضاربين.
على مدار سنوات طويلة، عانت «مصر» من اللاعبين بالدولار، من أصحاب شعار (فتّح عينك تاكل ملبن)، من (الفهلوية) الذين يلعبون بالبيضة والحجر من أجل المتاجرة بالدولار.. كانت الحكومة تدرك أنها قادرة على التصدى لهم، وبالفعل تحرّكت فى الوقت المناسب وبالطريقة المناسبة.. تم اللجوء إلى الإجراءات القانونية المشدّدة والعمل على مجابهة هؤلاء المضاربين بالدولار بالقانون، وتم القبض على كبار المضاربين، وتم اللجوء إلى التوسّع فى الاستثمارات العربية والأجنبية، وتم توقيع صفقة رأس الحكمة مع دولة الإمارات الشقيقة، وهى صفقة أصابت المضاربين فى مقتل، لأنها أدخلت إلى مصر (٣٥) مليار دولار.
انتعشت السوق وحُرِق المضاربون على الدولار، شُح الدولار أصبح ماضياً، ودخلت مليارات الدولارات إلى البنك المركزى، وتم تقديم مجموعة من المحفّزات لمحدودى الدخل، وتم زيادة المرتبات للضعف فى سابقة هى الأولى من نوعها فى تاريخ مصر، وتم زيادة أعداد المستفيدين من برنامج تكافل وكرامة، وتم ترشيد الإنفاق الحكومى، وتم وقف بعض المشروعات.. والنتيجة: تم توفير الدولار بدرجة كبيرة، وتم تقليل المصروفات الحكومية بنسبة كبيرة.
عانت مصر من قلة تحويلات المصريين بالخارج طوال العام الماضى، والسبب معروف لنا جميعاً، وهو: وجود مجموعات منظمة تضارب بالدولار وتضر بالاقتصاد المصرى عن عمد، مجموعات تقوم بالحصول على الدولار من المصريين العاملين بالخارج بأعلى سعر بالجنيه المصرى، فقدت مصر مليارات كثيرة اقتربت من (١٣) مليار دولار فى العام الواحد، فماذا ينتظر هؤلاء الطامعون؟ هل ينتظرون أن تقف الحكومة موقف المتفرج وهى تشاهد ضياع مليارات الدولارات عليها، وهى فى أشد الحاجة إلى الدولار؟ بالطبع لا.. والآن وبعد قرارات البنك المركزى أمس نستطيع القول: انتهت السوق السوداء وانتهت عصابات السوق السوداء.. ماتت هذه العصابات.. ماتت هذه العصابات ودُفنت، والآن علينا قراءة الفاتحة على روحها.