التوظيف الأمثل لتحرير سعر الصرف
التعويم يعنى ببساطة شديدة ترك العملة الوطنية لقوى العرض والطلب مثلها مثل أى سلعة أخرى تتحدد وفقاً لشروط معينة منها حجم الإقبال عليها أو العزوف عنها، ومنها أيضاً كمية المعروض منها بالمقارنة مع كمية المطلوب منها.. وهناك نوعان من التعويم.. أو التحرير كما نحب تسميته.. الأول هو التحرير الكامل وترك سعر العملة يتحدد وفقاً للشروط السابقة دون تدخل من الدولة أو من مصرفها المركزى.. والنوع الآخر هو التحرير أو التعويم المدار أو المقيد أو المحدود، حيث تتدخل الدولة فى لحظات معينة لمصلحة عملتها ببعض الإجراءات؛ أهمها زيادة المعروض من العملات الأخرى، فيزيد العرض منها عن الطلب عليها فيقل سعرها أو تقل قيمتها بالمقارنة مع العملة المحلية!
وبالتالى نتوقف هنا عند عدة إجراءات تمت قبل اتخاذ قرار تحرير سعر الصرف الذى لم يصدر -فى اعتقادنا- إلا بعد توافر قدرة الحكومة على توفير كميات كبيرة من العملة الدولية الأهم، وهى الدولار للأسف، وبالتالى فنحن أمام تعويم مدار.. وهذا الإجراء يجعل المستوردين ورجال الأعمال يطلبون الدولار من البنوك فيجدونه.. وعندما يكون سعر العملات الأجنبية داخل البنوك مثل خارجها يكون التعامل مع البنوك هو الأصل والابتعاد عن أى مخاطرة فى التعامل مع السوق السوداء!
الإجراء الثانى الذى اتخذته الدولة هو رفع البنك المركزى سعر الفائدة مرتين خلال أيام أو خلال شهر على الأكثر، هذا الإجراء يبرز ترتيب الحكومة لأولوياتها، وهنا تكون الأولوية لمواجهة التضخم. فرفع سعر الفائدة يعطى قيمة للعملة الوطنية ويؤكد لأصحابها أن عملتهم الوطنية (الجنيه يعنى) يمكن تعويض أى تراجع لها أمام العملات الأجنبية بزيادة فوائدها، وهذا من شأنه دفع الكثيرين إلى وضع أموالهم فى البنوك أفضل من المغامرة باستثمارها فى مشاريع، حيث سيسأل أى مستثمر نفسه: هل هناك مشروع فى السوق يمكنه تحقيق عائد ربح يصل إلى ٣٠٪ وفق الفائدة التى أعلنت أمس من شهادات ادخار لثلاث سنوات فى عدة بنوك أو حتى الشهادات التى أعلنت الشهر الماضى وتصل الفائدة عليها إلى ٢٧٪؟
وسيسأل مستثمرون آخرون السؤال نفسه عند تفكيرهم فى الاقتراض من البنوك، إذ لن يجدوا مشروعات تحقق ربحاً يسمح برد المبالغ المقترضة والفائدة عليها، وهنا فى الحالتين سيكون قرار المستثمر وضع مدخراته فى البنوك وهذا سيؤدى إلى أمرين:
جمع السيولة من السوق، وهذا سيقلل الإنفاق، وبالتالى ستنخفض عمليات البيع والشراء فى مجالات عديدة وتنتهى بالسيطرة على التضخم.. الأمر الثانى سيؤدى إلى تراجع الاستثمار، وبالتالى قد ترتفع نسبة البطالة.. لكن عندها تكون المهمة الأولى للبنك المركزى هى السيطرة على التضخم وبعده يأتى أى شىء آخر أو أولوية أخرى، ولذلك قلنا فى البداية عن ترتيب الدولة أولوياتها، وهنا تكون السيطرة على الأسعار الهدف الأول!
ماذا يمكن أن يحدث الآن؟! ما المتوقع خلال الساعات والأيام القادمة؟! بالطبع سيسهم الارتفاع المفاجئ فى سعر العملات الأجنبية فيما يشبه الصدمة عند المواطن المصرى، لكن الصدمة ستكون عند تجار السوق السوداء أشد بعد انتهاء سوقهم، وأصبحت السلعة (الدولار) التى تاجروا بها متاحة رسمياً!
هذا أيضاً سيجعل تحويلات المصريين فى الخارج تعود إلى مسارها الطبيعى، وبالتالى تعود التدفقات الخارجية إلى البنوك بعد هروبها إلى السوق السوداء خلال الفترة الماضية، وهذا سيجعل حصيلة الدولة من الدولار ترتفع!
ارتفاع هذه الحصيلة مع ما لدى الدولة من مليارات من الدولارات من مشروع رأس الحكمة سيجعل الدولار متوافراً وليس عملة صعبة.
يمكن توظيف قرار تحرير سعر العملة على أكثر من مسار.. شريطة توافر الشروط المذكورة وغيرها من شروط أخرى.
ما الشروط الأخرى؟
للحديث بقية..