افتراءات حول «رأس الحكمة»!

أحمد رفعت

أحمد رفعت

كاتب صحفي

تحول تناول مشروع رأس الحكمة الجديد عند البعض إلى كوميديا.. مضحكة أحياناً ومدهشة أحياناً، لكنها محزنة فى كل الأحيان.. حتى لا نصدق أنها تصدر عن متعلمين فما بالكم إن قلنا إنها تصدر من بعض المنتسبين للنخبة!!!

فى عام ١٩٩٩ بدأت الصحف فى متابعة المستثمرين العرب فى مشروع توشكى القديم، وهناك على ضفاف ترعة الشيخ زايد بالمشروع نشرت قوائم بعضهم، وكان فى مقدمتهم الأمير الوليد بن طلال وحصته بلغت ١٢٠ ألف فدان (ثلاثة أضعاف مشروع رأس الحكمة كله بالتمام والكمال)، بينما حل تالياً شركة أبوظبى القابضة ونصيبها ٨٠ ألف فدان (ضعف مشروع رأس الحكمة بالتمام والكمال أيضاً)!

لم يطلب وقتها أحد الاطلاع على شروط العقد، ولم يقل أحد وقتها إن الحكومة تبيع أرض البلاد، بل بيعها جزء من عملها، حيث من مهامها جلب المستثمرين الذى هو يعنى جلب أموال، والذى هو يعنى جلب عملة أجنبية، والذى هو يعنى جلب سيولة دولارية فى السوق المصرية وفى البنوك المصرية، والذى هو يعنى توفير القدرة على شراء مستلزمات الشعب من السلع الأجنبية ومستلزمات إنتاج المصانع المصرية، والذى هو يعنى عدم وجود أزمة فيها، وبالتالى عدم وجود أزمة فى أسعارها وقدرة المصريين على شرائها، والذى هو يعنى معيشة أفضل، خاصة للبسطاء ومحدودى الدخل، وهو ما يعنى أيضاً، على مسار قريب، مشروعات عديدة توفر فرص عمل وزيادة حصيلة الضرائب وطلباً على منتجات المصانع المصرية فى مجالات البناء ومستلزماته من حديد وأسمنت ودهانات ومواسير شرب أو صرف صحى وزجاج وسيراميك ومصابيح ومسامير وأسلاك وأخشاب ومفروشات.. إلخ، بما ينعش عشرات الصناعات الأخرى!

كل ذلك سيحدث بسبب مشروع رأس الحكمة، وحدث قبله بسبب مشاريع العلمين والعاصمة الجديدة والمنصورة وناصر وجبل الجلالة وحدائق أكتوبر وامتداد العبور وسلام بشرق بورسعيد، وكذلك ملوى الجديدة وسفنكس وغرب قنا ورفح الجديدة والفشن الجديدة وغيرها من عشرات المدن التى وفرت فرص عمل.. وحركة للمصانع.. ولم تسلم هذه المدن من الهجوم رغم أنها ظلت أحلاماً لملايين من المصريين سنوات عديدة ورغم ذلك قالوا لماذا نبنى هنا؟ ولماذا نبنى هناك؟ وإنها أعباء على الموازنة العامة! ورغم الرد على الهجوم والمزاعم لكن ها هو البناء فى «رأس الحكمة» بعيد عن الموازنة العامة وعن الدولة، وستقوم به شركة بتمويل قادم من الخارج، ها.. ما الحجة إذاً؟! أم هو إذا بنت الدولة مدانة وإذا بنى غيرها فالدولة مدانة وتربص فى كل الأحوال؟! قولوا لنا؟!!!! وعند تملك العرب نتوقف، فالأمر متكرر فى مشروعات عديدة هنا وهناك ولم يتناوله أحد والحمد لله لأنها فعلاً ظاهرة جيدة ومطلوبة، خصوصاً من الأشقاء ممن نحزن عندما نعلم بتوجه أموالهم للاستثمار فى بلاد بعيدة غير عربية.. ومع ذلك يوجد رأس مال أجنبى يضع يده على أراضٍ وممتلكات هنا وهناك، وأيضاً لم ينتقده أحد لأن ذلك هو الطبيعى، بل هناك جنسيات أجنبية ليس لرجال أعمال بمفردهم أو شركاتهم، بل لمواطنين مباشرين مثل الأصدقاء الروس، وكانوا حتى ٢٠١٦ يقدرون بـ٣٠ ألف روسى مقيم فى الغردقة وحدها وما حولها، وبعض الإحصائيات تشير إلى ضعف هذا العدد فى ٢٠٢٣ ولم يشكُ أحد ولم ينتقد ذلك أحد وهذا هو الموقف الطبيعى، لكننا فقط نرصد التربص بمشروع رأس الحكمة وأى مشروع آخر يتم على أرض مصر لم يمر مشروع منها دون تشويه أو دون التربص به! نقطة أخرى.. يقول البعض إن العقد يعنى بيع أرض مصر!! وكأن الأشقاء أو أصحاب الشركة الإماراتية سينقلون رأس الحكمة لتصبح بجوار رأس الخيمة مثلاً!!!! وهو كلام لم يكن ليصح أن يصدر عن متعلمين، فالأرض مصرية، والشراكة للمشروع، والأرض مكانها كما هى تخضع للنظام العام المصرى وللقوانين المصرية، وسيضبط الأمن بها الشركة المصرية وتخضع للقضاء المصرى!! أما المطالبة بإظهار التعاقد ونشر العقود فى وسائل الإعلام والصحف المصرية فهو طلب غريب جداً لم يحدث مع أى مشروع آخر!!! واعتقادى أنه لن يحدث إلا مع مثل هذه النوعية من المشروعات الكبيرة التى تزعج قوى فى المنطقة والعالم لا تريد لمصر الخير فتحرك وسائلها وأدواتها وللأسف يقلدها ويكرر أساليبها ويردد كلامها من يفترض امتلاكهم العقل والوعى والحكمة!!! وللأسف لم يحدث!! ولكن بخلاف التشكيك فى القائمين على الأمر فى مصر، وهو أمر خارج عن اللياقة، لكنه خارج عن اللياقة أيضاً مع الشركات غير المصرية إذا نشرت عقودها على الملأ.. البعض لا يحب ذلك، بل لا يحبه الأفراد أنفسهم حتى فى عقودهم المدنية العادية جداً، فما بالنا بشركات كبرى تعتبر عقود أعمالها شأناً يخصها وحدها مع شركائها؟!

للأمانة... عجيب أمر هؤلاء.. حتى لم يستطيعوا وهم يطلبون ذلك استخدام صيغة (نعم ولكن) الشهيرة التى تستخدم فى مثل هذه الأمور.. أى: نؤيد الخطوة ولكن نطلب كذا وكذا!!! وهو ما لم يستطيعوا فعله..

وللحديث بقية..