الوقاية من التحرش الجنسى فى الجامعة
قدمت الإعلامية البارعة لميس الحديدى حلقة عن التحرش الجنسى فى الجامعات وضرورة انتهاج سياسات لإيجاد آلية للشكوى والتحقيق للتصدى لأى حوادث قد تقع، وقد وجدت هذه الحلقة صدى واسعاً بين أعضاء المجتمع الجامعى تحديداً والمجتمع عامة، حيث استقبلها الكثيرون بالتقدير على فتح هذا الملف المهم، الذى تمارس فيه السلطة بصورة واسعة على الطالبات ما قد يضعهن فى موقف الضحايا، لذا وجب الوقاية واتخاذ التدابير لعدم تعرض أى طالبة جامعية أو دراسات عليا إلى التحرش أو الابتزار، كما قوبلت بعدم رضا من بعض المسئولين عن التعليم الجامعى الذين اعتبروا الحلقة تشويهاً لسمعة الجامعات المصرية.
وفى الحقيقة فتح هذا الملف يمثل أهمية كبيرة، حيث تعد البيئة الجامعية هى الحاضنة لبيئة العمل، التى يتعلم فيها الطلاب قيم الاعتماد على النفس والجدية والانضباط والاحترام، والحديث عن إيجاد سياسات لمواجهة التحرش الجنسى لا يعنى تشويه الجامعات أو اتهامها بأن التحرش تحول فيها إلى ظاهرة أو وباء، وإنما يعنى أن الجامعة جادة فى اتخاذ إجراءات الوقاية واعتماد تدابير الحماية، فالقوانين توضع لمن يخرج عن القواعد العامة للمجتمع، على سبيل المثال عندما ينص قانون العقوبات على عقوبات جرائم القتل أو السرقة ويحدد قانون الإجراءات الجنائية آليات التحقيق والمحاكم للوصول للعقوبة لا يعنى أن المجتمع كله من القتلة أو السارقين، أو أن القتل والسرقة تحولا إلى ظاهرة، وإنما الأصل فى المجتمع البراءة، ولكن توضع القوانين والإجراءات للوقاية وحماية جموع الناس ممن لديه ميول إجرامية.
مثال آخر وهو قيام وزارة الصحة بحملات وطنية ضد مرض شلل الأطفال، هذا لا يعنى أن المجتمع كله مصاب بالشلل أو أن الشلل تحول إلى ظاهرة، وإنما هذه الحملات أساسية للوقاية، لذا لا أجد ما يدعو بعض المسئولين عن التعليم العالى فى مصر إلى القلق أو عدم الارتياح من فتح هذا الملف، بل فى تقديرى أن الاستجابة إلى المطالبة بوجود آلية لمواجهة من يخرج عن النظام العام والأخلاق هى إجراء ضرورى لوقاية المجتمع الجامعى من انتشار هذه الجريمة، فمن أمن العقاب أساء الأدب، واتخاذ مثل هذه السياسات هو أمر يضيف إلى رصيد الجامعات ويبعث رسائل الطمأنة إلى كل الأسر المصرية والعربية أن الجامعات المصرية العريقة علمياً أيضاً عريقة فى مواجهة التحرش والخروج عن الأخلاق، لا سيما إذا علمنا أن أكبر الجامعات فى العالم، التى تدخل ضمن قوائم أفضل الجامعات جميعها لديها سياسات وإجراءات لمواجهة التحرش الجنسى، ممثلة فى لجان ذات اختصاصات واضحة، وتشكل من أعضاء المجتمع الجامعى، بالإضافة إلى ممثلى إنفاذ القانون «الشرطة» حتى لا تتم مواجهة جرائم ينظمها القانون الجنائى بإجراءات إدارية تنظمها قوانين التعليم العالى أو العاملون المدنيون فى الدولة، ما يجعل التحقيق عبثياً والمواجهة أكثر عبثية، أيضاً وضعت منظمة العمل الدولية تعريفات وأشكال التحرش فى بيئة العمل بما فيها البيئة الجامعية، كما حددت آليات المواجهة لمساعدة كل جامعات العالم، ولا يعكس هذا أن التحرش اُعتبر وباء عالمياً، وإنما يعنى ضرورة الاهتمام بالوقاية حتى لا تظهر حالة واحدة، وهو ما دفع أغلب جامعات العالم العريقة والمحترمة لاتباع هذه السياسات، ولأن الجامعات المصرية أيضاً محترمة من المهم تعميم هذه السياسات التى ستكون امتيازاً للجامعة وقيمة مضافة وليس تشويهاً لها، لأن التشويه الحقيقى هو أن ننام ونصحو على كارثة أو تتحول الجامعات إلى مكان يبعث على القلق وليس الأمان.