حقيقة الصحوة الإسلامية

أحمد عمر

أحمد عمر

كاتب صحفي

اختراق جماعة الإخوان المسلمين وكافة التيارات السلفية والجماعات الإسلامية، للمجتمع المصري في الأربعة عقود الأخيرة، وكثرة عدد المنتمين إليها، نتيجة غفلة أو تواطئ الأنظمة الحاكمة السابقة، وتدهور الأحوال في كل مجال، يعد واحدا من أكبر الجرائم التي ارتكبت في حق الهوية والدولة المصرية، والتي نجني ثمارها اليوم، تهديدا لأمن واستقرار الوطن. والمفارقة العجيبة أنهم اطلقوا على هذه الظاهرة في أدبياتهم اسم الصحوة الإسلامية، وكأن المسلمين في مصر كانوا نياما ومن أهل الكهف، حتى جاء الإسلاميون، واحدثوا هذا التغيير الذي أدى فقط، إلى إفراط قطاع عريض من المصريين في الاهتمام بشكليات الدين، في حين تدهورت أحوالهم في كل مجال. والمفارقة المحزنة، أن كل ما دعت إليه تيارات وحركات تلك الصحوة ، يناقض مفهوم الصحوة أو اليقظة، ويؤدي إلى تكريس التخلف، بمحاولة إيقاف عجلة الزمان، ودعوة المسلمين للهروب من عصرهم، والعودة للوراء ليعيشوا عصر السلف، ويعيدوا انتاج وتفعيل فكر السلف، تحت قاعدة: الأمر هكذا لأنه هكذا قيل، أو لا تفكر فالسلف الصالح قد فكروا لك. وقد تعرض الراحل الدكتور فؤاد زكريا في كتابه " الصحوة الإسلامية في ميزان العقل "، الصادر عام 1989، لهذه المفارقة اللغوية والفكرية الكامنة في استخدام مصطلح الصحوة الإسلامية، لوصف ظاهرة انتشار الجماعات الدينية، وازدياد عدد المنضمين إليها، دون أن يصاحب ذلك ارتفاع في مستوى تفكير هذه الجماعات وموضوعات اهتمامها، وطريقة فهمها للإسلام وتطبيقها له في ظروف عالم شديد التغير. وتعجب من أن ترفع لواء الصحوة، تلك الحركات الإسلامية المعاصرة، مع أن دعوتها وأفكارها في حقيقتها رجعية شديدة التخلف، وتُؤسس على أحياء أفكار وأساليب حياة وسلوكيات تعود إلى ما يزيد عن ألف سنة ماضية. كما تعجب أيضا من اهتمامهم بالجوانب الشكلية من العقيدة، المتعلقة باستكمال الشروط الشعائرية للدين، والاستجابة لبعض الأوامر والنواهي، التي لا تمس في الأغلب الحياة العامة في المجتمع. وقال إن الشعائر الدينية، التي تقصد لذاتها، بوصفها أركانا أساسية من أركان الدين، لابد أن تترجم إلى أفعال تنعكس إيجابيا على حياة الناس، وإلا فقدت فعاليتها ولم تعد مقبولة، حتى من وجهة نظر الدين نفسه؛ فكم من أحاديث نبوية تؤكد على أهمية المعاملة بوصفها المظهر الأساسي للدين، وتندد بأولئك الذين يقومون ويقعدون دون أن ينفعوا الناس بشيء. وكم من أمثلة شعبية مصرية، حافلة بالسخرية من أولئك الذين يؤدون فروض الدين، ويظهرون التدين، ولكنهم لا يُحسنون معاملة الناس، ويأمرونهم بما لا يفعلون. لينتهي إلى أن الصحوة التي يدعونها، قد جاءت نتيجة الإحباط وخيبة الأمل في ظل فقدان العدالة الاجتماعية، وضياع الرشد الاقتصادي، وضلال التوجه السياسي، وانهيار القيم الأخلاقية والفكرية. وأن دلالاتها الحقيقية سلبية، لأنها مجرد سخط ونفور على الأوضاع القائمة، وعجز عن مواجهة الواقع، والاهتداء إلى طريق جديد للإصلاح والنهضة والتقدم، ليكون المخرج الوحيد، هو الهروب من التحدي والعصر، والارتماء في احضان القديم المُجرب، وهو التدين الشكلي وتراث الأسلاف، لعله يحل بطريقة آلية مشكلات السياسية والاقتصاد والعلاقات الاجتماعية. وهكذا يمكن القول، إن الانتشار الكمي الهائل للاتجاهات الدينية والدعوات الإسلامية السلفية في العقود الأخيرة، قد ارتبط بخواء وهزال في المضمون الذي تقدمه لاتباعها، لتصبح الصحوة التي يدعونها في حقيقة أمرها غفوة فكرية وكبوة عقلية، منعت العقل المسلم من الاجتهاد والتجديد، وحولت الدين من طاقة بناء إلى ملجأ عزاء، وفتحت الباب لبعض الشباب، للكفر بعصرهم وأوطانهم ومجتمعاتهم، والتحول لاحقا إلى عناصر مدمرة لاستقرار وأمن الوطن.