بوتين على حق
ليس للعنوان علاقة بانحياز أو عدم تعاطف أو أي أمر آخر غير موضوعي، أتكلم هنا بعدما اقترب عمر الحرب الروسية الأوكرانية من عامين، خلال الشهر الحالي، طبق بوتين معايير النظريات السياسية الدولية ونظريات العلاقات الدولية واندفع بقواته ليحافظ على دولته في ظل ظروف خطيرة تحيط بها ولم يكن عليه الانتظار حتى – تقع الفاس في الراس. مؤخرا صدر كتاب "كيف تفكر الدول" للمؤلف المنظر الاستراتيجي جون جيه ميرشايمر وسيباستيان روساتو، يشرح المؤلفان في الكتاب كيفية تفكير الدول في القرارات الاستراتيجية التي تتخذها وعقلانية هذه القرارات والمواقف في ظل مناخ دولي ملتبس.
يؤكد المؤلفان ما معناه , أن من السخافة الاعتقاد أن بوتين اتخذ قرار اجتياح أوكرانيا منفردا أو بناء على رغبة شخصية أو أن عملية الحرب – طقت في دماغه - . المؤلفان اللذان يؤيدان نظرية " الواقعية " في العلاقات الدولية يوضحان أن صانعي قرارات بهذا الحجم إنما يتخذون قراراتهم بناء على نظريات عقلانية مدروسة، كما أنهم لا يتخذون القرارات الخطيرة بمفردهم بل تكون من خلال مراكز فكر وإدارات تخطيط على مستوى عالي وهناك دراسات واجتماعات ومناقشات ليس من الضروري أن يعلمها الجميع، ويتخذ القرار الشخص المسئول وفي مثل هذه الحالة يكون رئيس الدولة.
لا يرفض المؤلفان أن هناك قرارات خطيرة اتخذت بطريقة خاطئة مثل عملية غزو خليج الخنازير الأمريكية في كوبا والتي جاءت نتائجها كارثية على أمريكا، لكن العالم اعتاد من أمريكا والدول الغربية أسلوب تسخيف خصومهم ووصفهم بالدكتاتورية وأنهم يتخذون قراراتهم بناء على استبدادهم وقد أطلقوا هذا الوصف على كل من اتخذ موقفا لا يوافقهم أو اعترض على سياساتهم في شأن يخص بلاده، بل إن كل زعيم غير راضين عنه يصمونه بأنه هتلر جديد وبغض النظر عن الاتفاق او الاختلاف مع هتلر إلا أنه كان يعمل لبلاده التي أذلوها في الحرب العالمية الأولى.
في كل الأحوال فإن القادة يسعون للحفاظ على بلادهم وسلامة شعوبهم لذلك يتخذون قراراتهم بعقلانية أما النتائج فقد تأتي على عكس المتوقع .في حالة روسيا وأوكرانيا , فإن ستحصل روسيا على ما تهدف إليه إلا في حالة أن هزمتها أوكرانيا وهو أمر بعيد التصور، وفي حالة انتصارها ستحصل على كل أوكرانيا أو تكتفي بما ضمته من مقاطعات في الجانب الشرقي من أوكرانيا وهي مقاطعات يسكنها أغلبية روسية.
وحتى الدعم الغربي غير المحدد أو المحدود فشل في زحزحة روسيا عما حققته على الأرض وعما تفكر فيه رغم العقوبات الاقتصادية والتكنولوجية ورغم استنزاف روسيا بجعلها تفقد أسلحة وذخائر . لكن روسيا استطاعت أن تستولى على أسلحة غربية متطورة في أوكرانيا وتعمل على استنساخها.
كما أنها تستورد من إيران آلاف الطائرات المسيرة من طراز – شاهد – والتي تعوضها بأثمان رخيصة عما تفقده من سلاح وذخيرة .كان قرار بوتين بشأن حرب أوكرانيا نوعا من السبق لكي – يتغدى بها قبل أن تتعشى به – فالشواهد والدلائل كانت واضحة أن حلف الناتو وعلى رأسه أمريكا يرتب لحصار روسيا بضم أوكرانيا إلى الحلف وإلى الاتحاد الأوروبي بينما أوكرانيا هي أصل روسيا وظلت جزء منها لحوالي ألف سنة ومنها 300 سنة تحت حكم الإمبراطورية القيصرية بل وعندما تأسس الاتحاد السوفيتي جعلها السوفييت جمهورية وضموها إليهم، وكان منها خروتشوف سكرتير عام الحزب الشيوعي أي رئيس الدولة فعليا.
والآن تحاصر أمريكا روسيا في وسط آسيا وتفتعل معها أزمات في منطقة القوقاز وهي تعتبر خاصرة روسيا وامتداد لإمبراطوريتها السوفيتية السابقة.
إن روسيا دولة كبيرة وقوية وتوصف في العلاقات الدولية بأنها دولة قوية لكنها غير راضية على وضعها الحالي وترى أنها تستحق مكانتها الأكبر والحقيقية لذلك تحركت لحماية مجالها الحيوي بعدما أفقدتها أمريكا 12 دولة كانت أقرب حلفاءها وخسرت مجالا جغرافيا سياسيا كبيرا في شرق اوروبا ووسط آسيا.
إن مصائر الأمم لا تترك للظروف والصدف وإهمال أي احتمال قد يضر بها وبشعبها.
ولطالما أكد بوتين إنه لن يسمح بوجود حلف الناتو على حدود بلاده وتهديد روسيا بشكل مباشر، ولطالما أكد أن حرب أوكرانيا هي حرب تقرير مصير روسي وبغض النظر عن خسائر روسيا فيها فهي عازمة على مواصلة مشروعها مهما كلفها الأمر حتى يتحقق الهدف الأكبر وهو نظام عالمي متعدد الأقطاب وفرض روسيا كأحد أقطاب هذا النظام الجديد.
قال أحد المؤرخين الروس: إن الغرب يخشى بوتين شخصيا، وأن حكام الغرب يتلفتون لكي يعرفوا أين بوتين قبل أن يتخذوا قراراتهم.