كيف يعيش الأرمن بأسطنبول في ذكرى مرور 100 عام على الإبادة التركية؟

كتب: (أ ف ب) -

كيف يعيش الأرمن بأسطنبول في ذكرى مرور 100 عام على الإبادة التركية؟

كيف يعيش الأرمن بأسطنبول في ذكرى مرور 100 عام على الإبادة التركية؟

بعد مئة عام على مجازر عام 1915، ترفض الأرمنية ياسمين رستميان إخفاء أصلها حتى وإن لم تتحدث عنه علنا، محاولة بطريقة أو بأخرى المحافظة على ثقافة وتاريخ عائلتها في بلدها تركيا. ككل يوم، تنتظر هذه الأم التي تبلغ من العمر 42 عاما انتهاء الدوام المدرسي في قلب حي سيسلي في أسطنبول، حيث يدرس طفلاها في واحدة من 20 مدرسة أرمنية في المدينة تعمل بموجب عقد مع السلطات التركية، تستقبل ما يقارب 200 طالب من صفوف الروضة حتى الجامعة. بعد الظهر تشهد باحة المدرسة صدى صرخات باللغتين هي رمز للبطء الشديد في رفع المحرمات عن القضية الأرمنية في تركيا. تقول ياسمين "نحن سعداء جدا مع هذه المدرسة، يمكن لأطفالنا أن يتعلموا لغتنا بشكل عادي. في أيامنا، لم يكن يحدث هذا في العلن، لم نكن نتحدث الأرمنية في الشارع، لكن والدي أصر على أن ناخذ دروسا خاصة في المنزل، كان الأمر مهما جدا بالنسبة إليه". يتعلم طلاب مدرسة كاراغوزيان التركية والأرمنية على حد سواء وتحيي المدرسة المناسبات الدينية المسلمة والمسيحية. على جدران الفصول الدراسية، رسومات ولوحات للبيض وأرانب الفصح. تقول مديرة المدرسة أرسوفاك كوشمونيه بفخر: "لدينا معلمون يتقنون التركية، فنحن نعمل على المحافظة على الثقافتين بالتعاون مع الأهل". والتحدي هنا صعب، إذ أنه وسط تعداد سكاني يبلغ 77 مليون نسمة غالبيتهم مسلمون، يقدر عدد الأرمن المسيحيين في تركيا رسميا اليوم بحوالى 60 ألف شخص. لكن عدد الأرمن في الحقيقة أعلى من ذلك بكثير، فخلال الحرب العالمية الأولى، اعتنق عشرات الآلاف من الأرمن الإسلام هربا من أعمال القتل التي تعرضوا لها في ظل السلطنة العثمانية، وبقيت هويتهم مدفونة في أعماق ذاكرتهم، لكن بعض أحفاد هؤلاء بدأ بكشفها. لم تنس عائلة رستميان جذورها، ولا ذكريات الترحيل والمجازر ومئات الآف الضحايا عام 1915. وتضع ياسمين في منزلها بين القواميس على طاولة غرفة الجلوس، صورة قديمة بنية اللون لجدها الأكبر الذي قتل في ذلك العام. تقول ياسمين: "في طفولتنا لم نسمع أبدا أحدا يتكلم عن الإبادة، كان الأمر سرا كبيرا. وبإخفاء هذا السر ظن البعض أنه يمكن محو هذه الذكرى للأبد". وأضافت "لقد فهمنا لاحقا عندما أصبحنا شبابا". ورغم قساوة هذا الماضي، رفضت عائلة رستميان الهجرة خلافا لعائلات أرمنية عدة. في الخمسينات، تركت العائلة أماسيا في شمال شرق البلاد بالقرب من البحر الأسود إلى أسطنبول حيث استقرت في مبنى في حي بومونتي، وهو حي أرمني صغير وسط الأحياء التركية، حيث حاولت العيش بعيدا عن اضطرابات الماضي، بهدوء. توضح ياسمين، وهي مصممة أزياء أن "الوضع اليوم أكثر هدوءًا، وأكثر أمنا". لكن الحذر مازال مطلوبا، "ما زلت أقول لأطفالي أن ينادوني في المنزل + ماما+ وفي الشارع + آني+ (أمي باللغة التركية)". ومازال الحديث عن الأصل في الشارع يدفع إلى الصمت ومن النادر أن يذكر. الحياة اليومية صعبة أحيانا ولكن ليس إلى درجة مغادرة إسطنبول. تصر ياسمين على إن "تركيا هي بلدي، لا إريد مغادرتها، ولا أريد إن يضطر إطفالي للقيام بذلك. إذا أمكنهم الاستمرار في العيش بسعادة هنا، فهذا كاف لأكون سعيدة". بعد مئة عام على مأساة 1915، تقول ياسمين إنها تريد لذكرى 24 أبريل أن تكون فرصة للتوعية، وأن يعترف الأتراك في النهاية بواقع الأحداث، ولكنها ليست واهمة. وأضافت: "لا أتأمل من الدول والسياسيين، ولكني أتوقع الكثير من أصدقائي، أود أن يقولوا لي + عزيزتي ياسمين، بالنسبة إلى أخطائنا.. للأسف الغالبية لا تعرف ما الذي حدث". في تركيا لا ترد كلمة "إبادة" في كتب التاريخ، والمادة 305 من قانون العقوبات لا تزال تجرم الذين يتجرأون على ذكرها، بتهمة "المساس" بتركيا.