أنا عندي «حالة خاصة»

سيد خميس

سيد خميس

كاتب صحفي

منذ وقت ليس بطويل، وفجر كل أربعاء، تسيطر على جوارحى حالة شديدة الغرابة، تدفعنى لكى أنجز كل مهام عملى وأتفرغ لمشاهدة مسلسل «حالة خاصة»، الذى يناقش حياة المصابين بطور من أطوار التوحد، والسبب دون استخدام تعبيرات جمالية، أو جمل رنانة، أن ابنتى مصابة بهذا الاضطراب. أشاهد المسلسل باحثاً عن أجوبة للأسئلة لا تفارقنى: كيف ستتلقى ابنتى تعليمها؟ هل ستكون ناجحة؟ هل ستحيا حياة طبيعية؟ هل ستجد حب حياتها وشريكاً يتفهمها؟ وهل...؟ وهل...؟ وهل...؟

الأسئلة المتعددة الدائرة فى خُلدى تجعلنى أشاهد المسلسل فى عزلة، لأن مع بداية موسيقى التتر، يرتجف جسدى وترتعش يداى، ومشهد تلو الآخر يجسد مواقف أعيشها واقعاً، إلى أن تصيب «الحالة» وجدانى فأنهمر فى البكاء، متعاطفاً مع كل إحساس يشعر به «نديم» البطل الذى يؤديه الفنان المميز طه دسوقى.

التربية بالتنمر: فى الحلقة الثامنة، قال «نديم» لـ«أمانى» الأم، التى رُزقت أيضاً بطفل مصاب بالتوحد وتبحث عن إجابات للأسئلة نفسها التى لا تفارقنى، إنه «تربى بالتنمر»، لأنه فى كل مكان كان يجد من يتنمر عليه. وعندما سألته غادة عادل عن إذا كان يجب أن تغير مدرسة ابنها، قال «نديم» إن أى مكان سيكون فيه متنمرون. وهُنا وجدت نفسى داخل المسلسل بذاتى، وليس مجرد مشاهد يستمتع بالقصة، لأن هذا واقع أعيشه بأدق تفاصيله، فابنتى، وهى فى ربيعها السابع، دوماً تجد من يتنمر عليها، فى المدرسة وفى الشارع وفى النادى وفى كل مكان، فهى محاطة بالتنمر من كل صوب وجهة إلا من رحم ربى، بل أذكر ما هو أسوأ، أن أول مُعلمة التقيتها فى المدرسة التى ألحقتُ بها ابنتى كانت أول كلمة تلفظ بها تنمراً حين قالت «للأسف بقينا نقبل طلاب الدمج».

حق الحياة: مسلسل «حالة خاصة» استعرض أدق تفاصيل حياة المصاب باضطراب التوحد، وركز الفنان طه دسوقى فى تفاصيل سلوكيات ومشاعر المصابين بهذا الاضطراب بإبداع تفوق فيه على نفسه، كما أتقنت الفنانة غادة عادل تجسيد حيرة ولى الأمر الذى يبحث عن تساؤلات تشغله ليلاً ونهاراً، جاء ذلك فى إطار حدوتة درامية مفعمة بالأحداث ومغلفة بموسيقى وأغانى فرقة المصريين المحركة لأوتار القلوب، والفكرة المركزية للعمل هى حق الشخص المتوحد فى الحياة، فى الحب، فى الأمل، أن يرى ملامحه فى المرايا إنساناً طبيعياً «زى الشمس راجع.. ما بين مليون سحابة، نلمحه فى كل شارع فى اللى رايح واللى راجع.. فى الطفولة والبراءة وفى حبنا».

فى النهاية، أدعو بكل عبارات التوسل والرجاء، البيوت والشوارع والمدارس والدولة، إلى النظر بعين الرحمة، وليس العطف، للمصابين بالتوحد، أياً كانت درجات اضطرابهم وأياً كانت أعمارهم لتحسين جودة حياتهم عن طريق تدخلات نفسية واجتماعية مسندة بالبيانات من مرحلة الطفولة المبكرة وفى جميع مراحل العمر، فهذه التدخلات النفسية والاجتماعية تؤدى إلى تحسين قدرتهم على التواصل الفعال والتفاعل الاجتماعى، تأسيساً على أن طيف التوحد هو مجموعة من الاعتلالات المتنوعة المرتبطة بنمو الدماغ، التى تتصف ببعض الصعوبات فى التفاعل الاجتماعى والتواصل، وإيماناً بأن التدخلات النفسية والاجتماعية تُحسن من مهارات التواصل والسلوك الاجتماعى لديهم، إلى جانب تأثيرها الإيجابى فى عافية الأشخاص المصابين بالتوحد والقائمين على رعايتهم ونوعية حياتهم. ودعونا نردد كما غنت فرقة «المصريين»: مهما كان حلمى بعيد. . مهما كان صعب عنيد. . حتى فى نهاية الطريق.. نبدأ من جديد، لنرى المتوحد «إنسان بسيط.. إنسان زيى وزيك.. راهن فى يوم بكل اللى معاه.. على إن الشمس فى ميعادها هترجع.. وهو ده سر سعادته فى الحياة».