محور فيلادلفيا خط أحمر
تُصر إسرائيل على توسيع نطاق حربها على غزة وإدخال مصر طرفاً فيها بأى وسيلة، ففى تصريح مستفز لرئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو، قال إن محور فيلادلفيا يُمثل «فتحة» يتدفّق منها السلاح إلى حركة حماس و«يجب إغلاقها».. وأضاف «نتنياهو» أن غلق المنطقة الحدودية لعزل حركة حماس أحد أهداف الحرب الجارية فى غزة، مشيراً إلى أن «هناك عدداً من الخيارات تشمل نقل قوات إلى فيلادلفيا. بحثنا هذه الخيارات ولم نتّخذ قراراً بعد».. وهو ما يُعد انتهاكاً سافراً لاتفاقية كامب ديفيد، التى تنص بشكل واضح ومحدّد على الإجراءات الأمنية بين البلدين.
ويُعتبر «محور فيلادلفيا» منطقة عازلة وفقاً لما نصّت عليه معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل عام 1979، وتخضع لشروط ومعايير العبور من الأراضى الفلسطينية إلى مصر، كما تنص المعاهدة على أن تنشر مصر عدداً من قواتها فى المنطقة لتأمينها وفقاً لبروتوكول تم توقيعه مع إسرائيل.
لكن «نتنياهو» يسعى إلى خلق مستنقع حربى تغرق فيه ملاحقته قضائياً، وربما تستعيد حكومته بعضاً من مصداقيتها بتوسيع دائرة الحرب، بعدما أعلن الإعلام الإسرائيلى الحرب على حكومته، وانتقدته صحيفة «هآرتس» العبرية، إذ وصفته عشية 100 يوم من الحرب على قطاع غزة بـ«سيد الإخفاق متعدّد المجالات»، مشيرة إلى فشله على أصعدة الأمن والدبلوماسية والاقتصاد.
وفى مقال آخر، وصفت «هآرتس» العبرية ولاية «نتنياهو»، التى لا تنتهى بأنها مرض خبيث، داعية الحكومة إلى جعل عودة الأسرى على رأس أولوياتها، حتى على حساب وقف إطلاق النار.. فهل تُسدّد مصر فاتورة فشل حكومة نتنياهو؟!
فى رد حاسم على ادعاءات «نتنياهو»، وصف رئيس هيئة الاستعلامات المصرية الرسمية، الدكتور ضياء رشوان، تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلى، بأنها «تحمل مزاعم وادعاءات باطلة». وشدّد على أن «أى تحرك إسرائيلى باتجاه إعادة احتلال (محور فيلادلفيا) سيؤدى إلى (تهديد خطير وجدى) للعلاقات المصرية - الإسرائيلية».
وقال خلال تصريحات تليفزيونية «إن مصر لا تُهدّد، ولم تهدد أحداً من قبل -حتى أعدائها إذا وقّعت معهم معاهدات سلام- بل هو تحذير واضح، أما وصف هؤلاء بأنهم قادة متطرفون، فقد سبقنا إليه الرئيس الأمريكى جو بايدن، ووزراء خارجية الاتحاد الأوروبى».. ووصف التصريحات الإسرائيلية بأنها «اختراق» لمعاهدة السلام والبروتوكولات الأمنية الموقّعة، قائلاً: «وجب على مصر التحذير علناً، كما يجب على إسرائيل أن تضع التحذيرات فى اعتباراتها، وأن تزيح المتطرفين من صناعة القرار، هؤلاء المتطرفون خطر شديد، ليس على المنطقة أو الفلسطينيين، بل على الإسرائيليين أنفسهم».
لقد وقفت مصر بحسم أمام مشروع تهجير الفلسطينيين إلى سيناء «الوطن البديل»، وسعت دائماً إلى حلول دبلوماسية لوقف الحرب أو عقد هدنة على الأقل، وهو ما تحقّق بالفعل.. الآن أصبحت طرفاً فى «حرب كلامية» تهدّد خلالها إسرائيل بمعركة عسكرية للاستيلاء على محور فيلادلفيا.. وهذا التهور من جانب «نتنياهو» وحكومته لا يضع مصر فى أزمة، بل يدفع بالشرق الأوسط كله إلى حرب إقليمية بل وعالمية!
هل يسعى «نتنياهو» بتصريحاته الرعناء للضغط على مصر أملاً فى التوسط لدى حماس لتنفيذ شروطه لانسحاب جيش الاحتلال من غزة؟ أم يسعى لتوريط مصر فى صدام عسكرى يمنحه شرعية تحقيق حلم من «النيل إلى الفرات»، مستغلاً ما تعانيه الدول العربية من حروب ونزاعات (سوريا، ليبيا، السودان، اليمن)؟!
فى كل الأحوال مصر أعقل من الانسياق خلف «قيادة متطرفة».. وسوف تلتزم بضبط النفس واحترام الاتفاقية الموقعة عليها، وكذلك الاحتكام للمؤسسات والهيئات الدولية.. ليس خوفاً ولا تردّداً، فقواتنا المسلحة جاهزة لردع من تسول له نفسه الاقتراب من حبة رمل من أرض مصر.. ولكن حرصاً على معركة التنمية والبناء التى بدأناها.