ملاحظات على مقال الدكتور خالد منتصر

حسين القاضى

حسين القاضى

كاتب صحفي

نشر الكاتب المعروف الدكتور خالد منتصر مقالاً فى «الوطن»، بعنوان: (قواعد علمية لصيام مرضى السكر)، بتاريخ 6 يناير 2024، بدأ بقوله: «فى السنوات الماضية شهدنا أطباء كثيرين نتيجة الأفكار المغلوطة وتيارات التشدد الدينى تجبر مريض السكر على الصيام، أو تجعله حائراً بدون رد، وتحسسه بالذنب ولا تمنحه إجابة واضحة، بل إجابة مبطنة؛ مثل لا أستطيع تحمل وزر أن أقول لك افطر»، وفى المقال انتهى إلى أن: «الموضوع طبى بحت وليس موضوعاً فقهياً».

والحقيقة أن نفى العلاقة بين الطب والفقه خطأ، كما أن فهم العلاقة كما فى أذهان جماعات التطرف الدينى خطأ، فهى علاقة متزنة، فهم الفقيه الواعى، وهناك مؤتمر عُقد فى موريتانيا 2025 بعنوان: (العلاقة بين الفقه والطب)، أبرز العلاقة الوطيدة بينهما لا سيما فى مجال الفتوى، من حيث أن الرخص المتاحة، كرخصة الإفطار فى رمضان، لا يمكن تحديد مدى تأثير الصيام عليه إلا من خلال الطبيب، كما لا يمكن للفقيه إفتاءه بالفطر إلا إذا علم أن الصوم يضر بصحته.

وقد اضطلع الفقيه بدور كبير فى تحرير الطب من الخرافة والسحر والشعوذة والدجل والتكهن، وجاءت الأحاديث تنهى عن التطير، والتشاؤم، واللجوء للعرافين، باستثناء ما أحدثه المتطرفون فى هذا المجال، ويعتبر الفقه حفظ النفس (البدن أو الجسد) المقصد الأول والأسمى من مقاصد الشريعة، لأن عقل الفقيه المنضبط قائم على أن العبادة: (شعائر - تزكية - عمارة للأرض) هى غاية وجود الإنسان؛ ولا تتم إلا بصحة الجسد، ومن ثَم كان الفقيه شديد الاحترام للطبيب، وكانت الدراسة التى أشار إليها الدكتور خالد لها قيمتها العلمية المعتبرة.

الصديق الدكتور محمود الشال -من علماء وزارة الأوقاف- عقَّب على مقال الدكتور خالد منتصر، فكتب ما خلاصته: الدراسة التى أشار إليها الدكتور خالد منتصر فى مقاله بـ«الوطن» خلص منها إلى أن المسألة طبية بحتة لا علاقة لها بالفقه!، وهنا نسأل: لماذا بدأت مقالك بالحديث عن أطباء متطرفين متشددين يجبرون مريض السكر على الصيام؟! فهل جماعات التشدد الدينى هى التى تشتغل بالفقه وحدها؟! ولماذا اعتمدت على رأيهم دون رأى الإفتاء والأزهر؟ ثم جعلت الجميع فى سلة واحدة، مع أن الأَولى الاعتماد على مدرسة الاعتدال: الأزهر الشريف، ودار الإفتاء، عند تكوين الرؤية.

وكما تنكر على أهل الفقه الإفتاءَ فى الطب، فهم كذلك ينكرون على أهل الطب الإفتاء فى الفقه، فالتخصصان متداخلان لا متناقضان، فالطبيب لا يعرف كيف يتوضأ مَن أُصيب بكسر فوضع جبيرة، وعندما يقرر الطبيب أن شعيرة ما تسبب أثراً سلبياً للمريض، فإن المريض سيأخذ الرأى الطبى حتماً، ثم يذهب للفقيه ليسأله عن البديل: هل هو الفدية، هل الصدقة هل، هل، وهكذا، والحكم الفقهى هنا ليس فيه إغفال لرأى الطبيب، وإنما سيرشده إلى حل فقهى دون أن يتخطى رأى الطبيب.

بل إن الفقهاء هم الذين استنبطوا قواعد أصولية من الشريعة مثل: [المشقة تجلب التيسير - الضرر يُزال]، وفهموا: «لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا»، وقول النبى، صلى الله عليه وسلم: (إن الدين يسر). ومعنى الضرر يُزال، أى إنه إذا تحقق وقوع الضرر البدنى أو النفسى أو أى ضرر ولو بغلبة الظن؛ فإنه يجب إزالته على الفور «وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ».

وعدم الصيام مسألة فقهية فى المقام الأول، والضرر مسألة طبية، فلا الطبيب عنده حل مشكلة الإفطار، ولا الفقيه عنده تحديد مدى خطورة المرض وتأثير الصيام عليه، هنا ظهر شقان للمسألة: أحدهما طبى والآخر فقهى، والفقهاء لم ينتظروا دراسة طبية تمنع مريض السكر من الصيام، كما انتظر د. خالد منتصر، وإنما حسموا المسألة منذ تلقيهم الفقه فى مراحله الأولى وفق النص: «وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ»، و(لا ضرر ولا ضرار). ولذلك لما ورد إلى دار الإفتاء المصرية سؤال، يقول: أنا مريض بالسكر ولا أستطيع الصيام، أجابت: «يجوز للسائل فى هذه الحالة أن يُفطر، وعليه قضاء ما أفطره بعد شفائه، فإن كان عذره مستمراً وجبت عليه الفدية ولا قضاء عليه (لا صيام عليه)»، إذاً: لن تجد فقيهاً معتدلاً إلا ويفتى المريض بالفطر طالما نصحه الطبيب بذلك، سواء كان الطبيب مسلماً أو غير مسلم.

الجانب النفسى -مع أهميته- لم يتطرق إليه المقال، من حيث أن المرضى الذين لا يصومون بسبب مرضهم، لا تكون حالتهم النفسية فى أفضل حال، وقد يقول المريض: سأصوم رغم علمى بالخطورة وأتحمل المسئولية، فالطبيب هنا يراعى الجانب النفسى إلى جوار التشخيص الطبى، كما أن الفقيه يتعامل بالجانب الوعظى إلى جوار الحكم الفقهى، حيث يهون كل منهما على المريض، ويدعوه للفطر دون الشعور بالنقص، ومن هنا تتجلى سماحة الإسلام، وحكمة الطبيب.

والحاصل أن الدكتور محمود الشال يتفق مع الدكتور خالد منتصر فى أن جماعات التطرف والتشدد شوهت وانحرفت، ولكن رأى الدكتور خالد: الفصل التام بين الفقه والطب؛ منطلقاً من الأثر السلبى لفتاوى التطرف والتشدد، ورأى الدكتور محمود: وجود علاقة وصلة لا تنفى التخصص عنهما؛ منطلقاً من الأثر الإيجابى للمرجعية المنضبطة (دار الإفتاء)، ومقدمة المقال توحى بوضوح إلى أننى مع رأى الدكتور الشال.