من "زينات" لـ"النابلسي".. نهايات مأساوية لفنانين أسعدوا الملايين

كتب: نورهان ياسر

من "زينات" لـ"النابلسي".. نهايات مأساوية لفنانين أسعدوا الملايين

من "زينات" لـ"النابلسي".. نهايات مأساوية لفنانين أسعدوا الملايين

يتلالأون في سماء السينما وتدور حولهم الأنظار، يتحفون الجماهير بالضحكة والابتسامة التي يفقدونها في حياتهم الشخصية، لمعوا في جميع الأدوار الممتعة التي قدموها في السينما المصرية والتي استطاعوا من خلالها غزو قلوب الملايين، إلا أن نهاياتهم كانت مختلفة تمامًا عما قدموه طوال تاريخ طويل، فها هي الفرحة تتحول إلى معاناة والبسمة تتحول إلى مأساة موجعة. ترصد "الوطن" حياة بعض الفنانين الذين أسعدوا أجيالًا بأعمالهم وكانت حياتهم الخاصة مليئة بالعناء والمتاعب ولم يجدوا فيها راحة البال التي كانوا يقدمونها من خلال أدوارهم. الفنانة زينات صدقي، ورقة الكوميديا الرابحة التي أضحكت الكثير من المشاهدين، ولدت في 4 مايو 1913 في حي الجمرك بالإسكندرية، ولم تكن سوى طفلة تسمى "زينب محمد صدقي"، قبل أن يلمع حلم السينما أمام عينيها وتقدم لعشاقها أدوارًا خفيفة تناقش العديد من قضايا مجتمعها بشكل كوميدي وأبرزها "العانس"، فكانت خير من جسَّد دور الفتاة التي تبحث عن شريك حياتها في فيلم "ابن حميدو"، وكانت بخفة ظلها علامة في فيلم "شارع الحب" مع عبدالحليم حافظ وعبدالسلام النابلسي، قبل أن تكتسح مجال الكوميديا النسائية ليقترن اسمها بعدد قليل من نجمات السينما المصرية من أمثال ماري منيب ووداد حمدي، إلا أن بساطة "صدقي" جعلتها تدخل قلوب الجماهير دون استئذان. بداية الستينيات شهدت انزواء الأضواء عنها وقلت أعمالها الفنية حتى لجأت إلى بيع أساس منزلها لتحصل على الطعام وظلت في تلك الظروف الحالكة لفترة طويلة وعرض عليها الكثير من المقربين مساعدتها، إلا أنها رفضت حفاظًا على كرامتها، وأصيبت بماء على الرئة أدى إلى وفاتها في 2 مارس 1978. الفنانة ميمي شكيب، فنانة مصرية اسمها الحقيقي "أمينة شكيب" لمعت أدوارها وسط جيل "الأبيض والأسود"، فقدمت العديد من الأدوار الناجحة منها "زنوبة، المخدماتية والقوادة" في فيلم "دعاء الكروان"، وعملت مع فرقة نجيب الريحاني المسرحية الذي تتلمذت على يديه، ولدت في مدينة القاهرة عام 1913 وسط عائلة ثرية، وتزوجت من الفنان الكبير سراج منير، ولها شقيقة تدعى زوزو شكيب حتى أطلقت الصحافة عليهما لقب "الشكيبتان". أحبت ميمي شكيب الحفلات وكانت تداوم على إقامتها في منزلها بحضور كبار الفنانين ومسؤولي الدولة، وذات يوم اقتحمت مباحث الآداب منزلها وألقت القبض عليها هي وعدد من الفنانات الشابات ووجهت لهم تهمة إدارة شبكة دعارة، ومن هنا أصبحت محط أنظار الصحف والمجالات المصرية، حتى ابتعد عنها المنتجون والمخرجون، وبالرغم من حصولها على حكم البراءة من القضية إلا إنها أصبحت في عزلة عن عالم الفن بل عن العالم أجمع، وساءت حالتها الصحية ونُقلت إلى مصحة نفسية لشهور ولكنها لم تتحسن، واستمرت في ذلك الصراع حتى وُجدت مقتولة عام 1983 بعد قيام مجهول بإلقائها من شرفة منزلها. "أبو ضحكة جنان".. ذلك الذي رسم البسمة على وجوه الجميع، ولد "إسماعيل ياسين" بالسويس عام 1912، وانتقل إلى القاهرة ليبدأ مشواره الفني ولم يخدمه الحظ كمطرب نظرًا لابتسامته الدائمة وخفة ظله وصفاته التي جعلت منه أفضل مونولوجست وممثل في السينما المصرية. أثر "سمعة" في نفوس المشاهدين من خلال طيبته وتلقائية أدائه و"إفيهاته" الخالدة، لم تعقه ملامحه المتواضعة عن لعب الأدوار النسائية ببراعة لتصبح "الآنسة حنفي، الآنسة ماما"، أفلامًا لا تُنسى في تاريخ السينما المصرية، إلى جانب عشرات الأفلام التي خلَّدت اسمه أبرزها "إسماعيل ياسين في الطيران، إسماعيل ياسين في مستشفى المجانين". بالرغم من النجاح الساحق والأعمال الناجحة والجمهور العريض إلا أن كل ذلك لم يصاحب "سمعة" إلى نهاية حياته، حيث عاش في معاناة شديدة بسبب تراكم الضرائب التي أمرته الحكومة بسدادها، لم يقف أحد إلى جواره حتى لجأ إلى تصفية فرقته المسرحية وبيع العمارة التي كان يملكها، المشهد الأخير كان إصابته بمرض في القلب أدى إلى وفاته عام 1972. "أنا كلمتي ما تنزلش الأرض أبدًا.. خلاص هتنزل المرة دي"، كلمات لذلك النجم الكوميدي المبدع لم تبرح قلوب الأجيال، أحب التمثيل منذ الصغر وحقق نجاحاً ساحقاً، على الرغم من معاناته الشديدة التي وجدها مع والده حين أظهر له حبه الشديد للتمثيل. كانت بداية "عبدالفتاح القصري" الفنية مع فرقة "عبد الرحمن رشدي" ثم فرقة "نجيب الريحاني"، بعد أن تنازل عن تركة أبيه مقابل تحقيق حلمه في ممارسة التمثيل، تميز بأدواره التي صنعت منه نجماً كوميدياً في أفلام "سكر هانم، إسماعيل ياسين في مستشفي المجانين، ابن حميدو، إسماعيل ياسين في متحف الشمع"، والعديد من الأعمال التي ظلت متمركزة في عقول المشاهدين. وظل نجمه ساطعاً حتى أصيب بنكبة العمى على خشبة المسرح أمام صديق دربه إسماعيل ياسين، ولم تكتفِ زوجته بالفاجعة التي حدثت له فطلبت منه الطلاق بعد أن استولت على جميع ممتلكاته، وخيَّم عليه الحزن وأصيب بالاكتئاب، عاش بقية حياته في حجرة تحت السلم حتى تمكَّن الجو القارس والرطوبة من جسده وأُصيب بتصلب في الشرايين التي أثرت على مخه وأدت إلى فقدان ذاكرته لتأتي النهاية المحزنة حين انتقل إلى مستشفى المبرة، وتوفي في 1964، ولم يحضر جنازته سوى ثلاثة أشخاص من أفراد أسرته والفنانة نجوى سالم. "أشهر عازب في السينما المصرية"، هكذا لقَّب نفسه النجم عبدالسلام النابلسي، الذي ينتمي لعائلة ذات أصول فلسطينية، ولد عام 1899، شغل "أسطورة الكوميديا" مساحة كبيرة في الساحة الفنية لم يشغلها أحد بعده، جاءته الفرصة الأولى في السينما على يد السيدة "آسيا" في فيلم "غادة الصحراء" عام 1929 لتنهال بعده الأعمال السينمائية والتي تميز فيها بخفة دمه. شارك "النابلسي" مع عدد كبير من عمالقة الزمن الجميل أبرزهم فريد الأطرش، عبد الحليم حافظ، إسماعيل ياسين، فاتن حمامة، صباح، لتبقى أفلام العزيمة، حكاية حب، أرض السلام، عاشور قلب الأسد، شارع الحب، لحن حبي"، بصمات في تاريخ سينما عقدي الستينيات والسبعينيات. طاردته الضرائب في مصر وبلغت كلفتها 13 ألف جنيه وأدى ذلك إلى هروبه للعيش في لبنان، وأنتج العديد من الأفلام السينمائية اللبنانية، كما بذل قصارى جهده للعودة إلى بلده الذي عشقه، ولكنه لم ينجح في ذلك بسبب حجز مصلحة الضرائب على شقته وممتلكاته، وماهي إلا أشهر قليلة حتى أشهر إفلاسه بعدما أعلن بنك أنترا في بيروت ذلك. الفقر لم يكن المأساة الوحيدة التي انتهت بها حياة النابلسي بل كانت إصابته بآلام مبرحة في القلب هي ما أوقعت فارس الكوميديا عن جواره، ورحل تاركاً لنا أعماله التي ستظل تخلِّد اسمه حتى الآن.