الشيخ أحمد تركي يكتب.. ذكرى الميلاد وهوية المصريين

كتب: الوطن

الشيخ أحمد تركي يكتب.. ذكرى الميلاد وهوية المصريين

الشيخ أحمد تركي يكتب.. ذكرى الميلاد وهوية المصريين

لقد تحدث القرآن الكريم عن السيد المسيح، عليه السلام، فى 38 آية تصف مولده ومعجزاته وصفاته.. إلخ. قال تعالى: «إِذْ قَالَتِ المَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ الله يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ المَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِى الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ المُقَرَّبِينَ. وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِى المَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ الصَّالِحِينَ». وقال تعالى: «قَالَ إِنِّى عَبْدُ الله آَتَانِىَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِى نَبِياً. وَجَعَلَنِى مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِى بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَياً. وَبَراً بِوَالِدَتِى وَلَمْ يَجْعَلْنِى جَبَّاراً شَقِياً. وَالسَّلامُ عَلَىَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَياً. ذَلِكَ عيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِى فِيهِ يَمْتَرُونَ».

ولقد احتفى سيدنا رسول الله محمد، صلى الله عليه وسلم، بأخيه المسيح، عليه السلام، بذكر عدد من الأحاديث التى تدل على مكانته ومقامه، فقال صلى الله عليه وسلم: «أنا دعوة أبى إبراهيم، وبُشرى أخى عيسى». ويصف لنا أخاه المسيح، فيقول: (رِبعة «يعنى لا طويل ولا قصير»، أحمر كأنما خرج من ديماس «أىْ حَمّام»)، وفى ذلك إشارة إلى جماله ونقائه ووضاءته وإشراق وجهه. ومِن شدَّة محبته له يصفه مرة أخرى، فيقول: «بينما أنا جالس عند الكعبة، فرأيتُ فى أجمل ما يرى الرائى؛ رأيتُ رجلاً أدم سبط الشعر يُهادَى بين رجُليْن، وكأنَّ رأسه يقطر ماءً، فقلتُ مَن هذا؟ قالوا: هذا أخوك ابن مريم».

ويدافع عن المسيح، عليه السلام، فيقول: «أنا أولى الناس بعيسى ابن مريم فى الدنيا والآخرة؛ فليس بينى وبينه نبىّ». ويفتخر بأخيه المسيح، قائلاً: «كيف تهلك أُمّةٌ أنا فى أولها وأخى عيسى فى آخرها».

وفى مناسباتٍ كثيرة، يُشبِّه نبى الرحمة بعض أصحابه بالمسيح فى عطفه، وشفقته، ورحمته، فمثلاً: يقول لأبى ذر: «مثلكَ يا أبا ذر فى أصحابى كمثل المسيح ابن مريم بين الناس».

وعلى هذا، فالاحتفاء بميلاد السيد المسيح ليس حراماً كما يدّعى أهل الغلو والجفاء، بل هو سلام كما ذكر القرآن «والسلام علىّ يوم ولدت».

ما يسميه المصريون بالشهامة هى سرعة الاستجابة لإغاثة ملهوف أو تضحية بلا تفكير أو حساب!، فسلوك المصرى اليوم يتشابه كثيراً مع سلوك جده القديم بشهادة التاريخ والقرآن والواقع، فقد ذكر القرآن الكريم أن ثلاثة من الأنبياء أنقذهم الله تعالى بشهامة المصريين القدماء، وهم يوسف، عليه السلام، والنبى الثانى هو موسى، عليه السلام، والنبى الثالث هو عيسى، عليه السلام، مع عائلته المقدسة، وبنفس تلك الشهامة استقبل المصريون عدة ملايين من دول عربية بعدما سقطت بلادهم، سوريين ويمنيين وليبيين وعراقيين. وبنفس تلك الشهامة اصطف الشعب المصرى خلف جيشه فى الثلاثين من يونيو فى ملحمة ثورية تاريخية ليحافظوا على بلادهم من المؤامرات الدولية التى حيكت ضد مصر باسم الدين.

فسلوك المصرى اليوم يتشابه كثيراً مع سلوك جده القديم بشهادة التاريخ والقرآن والواقع، فلم يعرف المصريون معنى الطائفية يوماً ما لأن الهوية الدينية متناغمة فى القيم والمحبة والسلام، فهوية المسلم الدينية لا تتنافر مع هوية أخيه المسيحى الدينية، بل تتناغم فى المشتركات الأخلاقية وتتسامح فى الاختلافات العقائدية «لكم دينكم ولى دين» وهوية المصريين الدينية كمسلمين ومسيحيين لا تتعارض مع هويتهم الوطنية كمصريين.

فالمصرى القديم ركع وسجد وقدّس وزرع أرضه وحماها، وكان ظهيراً لجيشه، وهو الذى استقبل العذراء والسيد المسيح وحماهما من بطش الروم! وهو الذى استقبل المسيحية واعتنقها، وهو نفسه الذى استقبل الإسلام واعتنقه الكثير من المصريين وحافظ على المسيحية فى نفس الوقت! هو نفس المصرى الذى لم يسمح بالذوبان فى ثقافات وحضارات الغير، بل ذابت بين يديه كل الثقافات والحضارات.

إن كل الحقائق التاريخية والعلمية تؤكد أن مصر تجربة إنسانية حضارية عجيبة (نسخة واحدة لا تتكرر) مليئة بما يبنى الحاضر والمستقبل!


مواضيع متعلقة