أ. د محمد مختار جمعة يكتب.. التسامح منهج حياة

كتب: الوطن

أ. د محمد مختار جمعة يكتب.. التسامح منهج حياة

أ. د محمد مختار جمعة يكتب.. التسامح منهج حياة

التسامح فطرة سوية وقيمة إنسانية والخروج عنه خروج عن قيمة دينية وإنسانية شديدة الأهمية فى حياة البشر، فقد حثنا ديننا الحنيف على السماحة واليسر، ونهانا عن الغلظة والجفوة والعسر.

التسامح خُلقٌ أصيلٌ فى ديننا، وفى ثقافتنا، وفى تكويننا وفطرتنا؛ فكتاب ربنا (عز وجل) يدعو إلى العفو والتسامح، حيث يقول سبحانه: «خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ»، ويقول سبحانه: «وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَاماً»، ويقول سبحانه: «وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ»، ويقول سبحانه: «وَلَا تَسْتَوِى الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِى هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِى بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِىٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ»، ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): «رَحِمَ الله رَجُلاً سَمْحاً إِذَا بَاعَ، وَإِذَا اشْتَرَى، وَإِذَا اقْتَضَى»، ويقول (صلى الله عليه وسلم): «دخل رجل الجنةَ بسماحَتِه، قاضياً ومُتَقَاضياً»، ويقول (صلى الله عليه وسلم): «إِنَّ الرِّفْقَ لَا يَكُونُ فِى شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ، وَلَا يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا شَانَهُ»، ويقول (صلى الله عليه وسلم): «اللهُمَّ، مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِى شَيْئاً فَشَقَّ عَلَيْهِمْ، فَاشْقُقْ عَلَيْهِ، وَمَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِى شَيْئاً فَرَفَقَ بِهِمْ، فَارْفُقْ بِهِ».

مع تأكيدنا على أن تحديد المصطلحات وبيان مفهومها بمنتهى الدقة أمر فى غاية الأهمية، فتحت مسمى الالتزام والأحوط والاحتياط فتحت أبواب التشدد التى ساقت وجرفت الكثيرين فى طريق التطرف، حتى ظن الجاهلون أن التحوط فى الدين يقتضى الأخذ بالأشد، وأن من يتشدَّد أكثر هو الأكثر تديناً وخوفاً من الله (عز وجل)، مع أن الإسراع فى التحريم دون تيقُّن ودليل قاطع أمر يُحسنه الجاهلون والمتطرفون، أما الفقه الحقيقى فهو رخصة من ثقة، وهو التيسير بدليل، وهو السماحة بيعاً وشراء، وقضاء واقتضاء، وإيماناً بحق التنوع والاختلاف، ولم يقل أحد من أهل العلم المعتبرين إن الفقه هو التشدد؛ ذلك لأن الله (عز وجل) يقول: «يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ»، ويقول سبحانه: «وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِى الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ».

على أن التسامح وفقه العيش المشترك لا يقفان عند حد تعامل المسلمين بعضهم مع بعض فحسب، بل هما منهج حياة شامل يسع الناس جميعاً، حيث يقول ربنا سبحانه وتعالى آمراً عباده المؤمنين بحسن المعاملة مع الناس جميعاً، فقال تعالى: «وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً»، ولم يقل سبحانه: وقولوا للمؤمنين أو للمسلمين أو للموحدين حسناً، وإنما أمرنا أن نقول ذلك للناس جميعاً، وأن نخاطبهم ليس بالحسن فحسب بل بالأحسن، حيث يقول سبحانه: «وَقُل لِّعِبَادِى يَقُولُوا الَّتِى هِيَ أَحْسَنُ».

وعلينا أن نجعل التسامح منهج حياة لنا فى تعاملنا مع الآخر، فى قبوله، فى احترامه، فى إنصافه، وكذلك فى بيعنا وشرائنا وتقاضينا وسائر جوانب حياتنا.


مواضيع متعلقة