عمرو دياب يصوب أخطاءه

يبقى عمرو دياب مع مرور السنين هو هو لم يتغير، الماهر فى فن صناعة الجدل بنفس قدر مهارته فى صناعة أغنياته.. شنطة السفر المحملة بالمفاجآت للأحباب، والتى عادة ما كانت تأتى كل عام «فى عصر ما قبل السوشيال ميديا» تحمل من الأشكال الموسيقية ما يُبهر به مستمعيه. مع كل عمل جديد يعلن -مجرد الإعلان- عنه يتحول لمحور أحاديث الجمهور «المحبين وغير المفضلين سواء»، فى المقاهى، على نواصى الشوارع، فى الجروبات المغلقة، وعلى صفحات السوشيال ميديا العامة.. ها هو يعود لنفس الحالة بطرح «ألبوم» كامل حمل عنوان «مكانك» لأول مرة منذ عدة سنوات اتخذ خلالها من «السنجل» المتعاقب أو طرح الألبومات بنظام «التنقيط» منهجاً لشكل نزول أغنياته للمستمع، إلا أنه عاد ليصوب هذا الخطأ الذى طالما تسبب إما فى حيرة للجمهور تارة بسبب تباعد الإطار الزمنى لطرحها «وصل الأمر لعدة أسابيع بين الأغنيات» أو عدم تحقيق بعض تلك الأغنيات للنجاح بسبب غياب الإطار العام المفترض أن تصدر خلاله، أى «ألبوم» تكمل أفكاره بعضها البعض تارة أخرى، ويحمل من الأشكال الموسيقية ما يُشبع رغبة الأذواق المختلفة.

المهم صدر الألبوم حاملاً 12 أغنية بشكل حصرى على إحدى منصات الاستماع للأغنيات. الملاحظة الأولى كانت طرح الألبوم فى أقل من 6 ساعات كاملاً كما ذكرت فى البداية، والملاحظة الثانية هى قدرته على التعويض عن عدد من الأغنيات الضعيفة فنياً والتى قام «دياب» بطرحها نهاية العام الماضى فى نفس التوقيت، والتى لم تحقق من النجاح ما يرتقى لاسم صاحبها، ولا أعرف حتى الآن هل كانت ضمن ألبوم غنائى واحد، أم أنها كانت مجرد «سنجل» لأنها كانت تصدر تقريباً بمعدل كل شهر أغنية أو اثنتان على الأكثر وانتهت فى شهر يوليو الماضى.. ورغم أنها حملت اسم عمرو دياب، إلا أن مدة صلاحية بعضها لم تتعدَّ الأسبوع الواحد لضعف مستواها، وهو ما لا يستقيم مع اسم صاحب الأغنيات «دياب» أو حتى صُناعها.

أما أغنيات ألبوم «مكانك» فحملت توليفة بها العديد من الأشكال الموسيقية مثل الموسيقى اللاتينية والاعتماد على الجيتارات الإسبانية والهاوس والفلامنكو والبوب والمقسوم بنوعيه «السريع والهادئ»، وهو التنوع الذى صوّب به دياب خطأ سقط فيه بقوة خلال السنوات القليلة الماضية عندما بات يصنع النسبة الأكبر من أغنياته بإيقاع المقسوم، فى محاولة منه لمداعبة جمهور بعينه كان يسعى للوجود معه «وهو جمهور الحفلات والسهرات»، متجاهلاً بذلك ملايين من المستمعين ممن لهم حق الاستماع لكل الأشكال الموسيقية والحالات الغنائية المتنوعة بصوت مطربهم المفضل.

ورغم وجود العديد من الأغنيات ذات الإيقاع المقسوم فى الألبوم مثل «الكلام ليك» و«سلامك وصلى» و«مابتغيبش» إلا أن الجرعة لم يكن مبالغاً بها بسبب وجود أغنيات بإيقاعات غربية مثل «بيوحشنا» و«معرفش حد بالاسم ده» و«لوحدنا» و«ماتتعوضش»، و«مكانك»، وهى التوليفة التى اعتاد جمهور دياب وجودها فى ألبوماته منذ سنوات طويلة.

على مستوى الكلمات ظهرت بين أغنيات الألبوم حالة من الإبداع قادها عدد كبير من الشعراء، خاصة فى كلمات أغنيات «سلامك وصلى» و«مكانك» و«ماتغيبش» التى تُعد واحدة من أفضل أغنيات الألبوم بشكل عام لانتمائها لمدرسة «السلطنة الطربية» التى يجيد عمرو دياب تقديمها بجدارة، بل ويفضلها فى الكثير من الأحيان لقدرته على التنقل بين المقامات الموسيقية العربية بخفة رغم صعوبتها، وكذلك «معرفش حد بالاسم ده» و«متتعوضش»، بينما سيطرت الركاكة فى المعنى والمفردات على أغنية «يا قمر» التى يبدو أن الهدف الوحيد منها هو مغازلة فئة جديدة من الجمهور يسعى دياب لاكتساب أرضية لديهم، وهى على رأس الأغنيات التى كنت أفضل عدم وجودها وسط التوليفة الجيدة المصنوعة فى الألبوم.

أما الألحان فظهرت فى معظمها رشيقة متناسبة مع الكلمات، حيث استطاع الملحنون المتعاملون فى الألبوم إيصال رسالة الكلمات بسهولة ويسر إلى أذن المستمع، وهو نفس الأمر من ناحية التوزيع الموسيقى، فجاء اختيار كل موزع موسيقى لشكل المزيكا الملائمة للألحان بأفضل شكل، وهو ما يظهر بقوة فى أغنيات مثل «بيوحشنا» والاعتماد على الجيتارات الإسبانية لتعلب دور البطولة فى الأغنية لتوصيل رسالة اللون الموسيقى المعروف بالفلامنكو، وكذلك استخدام آلة الأكورديون وتصديرها المشهد فى أغنية «مابتغيبش» لتعطى «انطباع تسعيناتى»، وهو ما استكمله التوزيع الموسيقى لإيقاع المقسوم «القاعد» لإيصال إحساس الشوق لدى المؤدى.

ودائماً تبقى الهندسة الموسيقية والميكساج أحد أهم العوامل فى القدرة على الاستمتاع بكل ما سبق، وهو ما يظهر بوضوح كبير على كل أغنيات الألبوم، فيمكنك الاستمتاع بشكل كامل إما بصوت عمرو دياب منفرداً أو تذهب فى رحلة خاصة مع كل آلة موسيقية وتتبع كافة تفاصيلها فى أى من أغنيات الألبوم.

يبقى فقط فكرة غياب «الهيد» رغم تميز الكثير من الأغنيات وجودة صناعتها، إلا أن الألبوم يفتقد الأغنية الرئيسية التى اعتاد دياب مفاجأة جمهوره بها فى كل ألبوماته مثل «تملى معاك»، «ليلى نهارى»، «عايش ومش عايش» وغيرها من الأغنيات التى تُعامَل معاملة «درة التاج» بين أغنيات الألبوم.