دار الإفتاء المصرية.. إنجاز متواصل

حسين القاضى

حسين القاضى

كاتب صحفي

تأتى دار الإفتاء المصرية فى المقدمة على مستوى الحقل الإفتائى فى العالم، حتى إن شخصاً أزهرياً هارباً، عمل مديراً لمكتب الشيخ القرضاوى، لم يملك -فى لحظة صدق مع النفس- إلا أن يعترف بذلك فى فيديو بثه منذ أيام قال فيه: «99 ونصف فى المائة من فتاوى دار الإفتاء المصرية صحيحة ومنهجية ودقيقة وتوافق الشرع، وهى فتاوى مهنية وقوية وعلمية، ولا تجامل أحداً، وتنطلق من موازين الشرع، وفتاوى دار الإفتاء المصرية من أكثر الفتاوى منهجية ودقة فى العالم الإسلامى كله، ونموذج ذلك فتاوى الشيخ على جمعة، وغيره، وتحولت دار الإفتاء إلى هيئة مؤسسية بداية من عصر الشيخ جاد الحق، ثم ما قام به فى التأسيس الدكتور على جمعة، ثم جاء الدكتور شوقى علام فوسَّع هذه الأعمال، والخلاصة أننا نثق فى فتاوى دار الإفتاء المصرية».

هذه شهادة أحد المنتمين للإخوان، وليس هنا مجال بيان أن إساءة الجماعات الإسلامية لدار الإفتاء وللمؤسسة الدينية، وعلى رأسها مشيخة الأزهر الشريف، خلق لدى أتباع الجماعة (طرحاً فراغياً)، وهو طرح يحقق إشباعاً نفسياً لهم، ثم يُلقى بهم فى الفراغ، بعد عمر من العيش فى الوهم والتصورات الخاطئة، عن المؤسسة الدينية وعن معظم القضايا الفكرية.

إن كشف الحساب لعام 2023 لدار الإفتاء يؤكد على عدد من الإنجازات فى مختلف مجالات الفتوى، والعمل على نشر صحيح الدين، وبناء إطار دينى داعم للدولة وقضايا الأمة، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، وخطت مؤسسة الإفتاء خطوات كبيرة، على المستوى الإفتائى، والإدارى، والتدريبى، وتوسعت بروافدها المختلفة، فعقدت اتفاقيات شراكة، آخرها مع جامعة سوهاج وأكاديمية البحث العلمى والتكنولوجيا، واستقبلت هذا العام ما يزيد على (1.607.246) فتوى ما بين فتوى شفوية وهاتفية ومكتوبة وإلكترونية، وبلغت نسبة فتاوى الأسرة 65%، وهو ما حدا بدار الإفتاء أن تولى اهتماماً كبيراً بالأسرة وحمايتها، وتقوية أواصر الترابط داخلها، من خلال إنشاء إدارة الإرشاد الزواجى -كما جاء فى التقرير السنوى للدار- وكل ذلك يؤكد أن الواقع الحقيقى، الذى تثبته الأرقام يؤكد ثقة المجتمع فى دار الإفتاء المصرية وشيخها وعلمائها، مهما حاول الواقع الافتراضى والكتائب الإلكترونية تشويه الدار وهدم مرجعيتها.

وكثرة طالبى الفتوى (المستفتين) ليست وحدها الدليل على ثقة المجتمع فى مرجعية الدار، بل الأهم أن الدار فى فتواها مثلتْ المنهجَ الأزهرى تمثيلاً دقيقاً، واستوعبت المدارس الفقهية، وأفتت بالمعتمد فى الفتوى، وفق معايير تراعى قواعد الترجيح، وتحقق مقاصد الشريعة، وهذا لا يتوفر إلا فى الإفتاء الجماعى المؤسسى.

واستجابة للمستجدات استحدثت الدار خلال 2023 إدارة جديدة باسم «نبض الشارع» تختص برصد وتحليل ما يشغل المجتمع فى مصر وخارجها من قضايا ومسائل تحتاج إلى بيان الرأى الشرعى فيها، وفق خطاب إفتائى قائم على منهجية علمية منضبطة، ولم يكن الأمر موقوفاً على الجانب الشرعى فقط، إذ ظهر العلماء الشرعيون برفقة خبراء متخصصين فى علم النفس والاجتماع والإرشاد الأسرى.

أيضاً حققت الدار طفرة كبيرة فى استخدام التكنولوجيا الحديثة، ومنصات ومواقع التواصل الاجتماعى، وأدوات الذكاء الاصطناعى، حيث تمتلك (22) صفحة على الفيس بوك بلغات مختلفة، وموقع «X»، وإنستجرام، ويوتيوب، وتليجرام، وساوند كلاود، وكلوب هاوس، وتيك توك، وقناة واتس آب، وصفحتها الرسمية عبر «فيس بوك» يتابعها ما يزيد على (13.125.000 مشترك)، وباقى المنصات يتابعها 2.500.000، ليبلغ إجمالى المتابعين 15.500.000 متابع، وذكر التقرير أن التفاعل على كل المنصات زاد على 170 مليون تفاعل خلال 2023م.

ونشرت البوابة الإلكترونية -التى تشكل المصدر الرئيسى للفتاوى- (630) فتوى لفضيلة المفتى، و(121) من تراث الفتاوى، بإجمالى (751) فتوى، وإعادة نشر (2229) فتوى فى موضوعات تهم مُتلقى الفتوى، وآخرها الفتوى المتعلقة بإخراج الزكاة لإغاثة أهل غزة.

وتخطَّت الدار حدود الخدمات النمطية، فيسَّرت الحصول على الفتوى بصور ميسرة، وسهَّلت طريقة المقابلات الشخصية لأمناء الفتوى، وقدمت إدارة التدريب خدمات علمية، ودورات متخصصة، تخرج فيها المتخصصون والباحثون فى مجال العلوم الشرعية.

أما الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء التى يرأسها فضيلة الدكتور «شوقى علام»، مفتى الجمهورية، ويتولى أمانتها الدكتور «إبراهيم نجم»، فقفزت إلى مستويات أخرى، منها زيادة توثيق الحبال التى تربط الحقول الإفتائية فى العالم، وقدمت رؤى متعمقة فى مشكلات المناخ، والتطرف، والزيادة السكانية، وسائر القضايا الحديثة، والاشتباك مع الفضاء الإلكترونى، لتصحيح سلبياته، والاستفادة من إيجابياته، ورصد مؤشرها الحركة الإفتائية لجماعات التطرف فى العالم.

ولم تتوقف الأمانة العامة عند احتضان وتجميع علماء الحقل الإفتائى فى مؤتمرها السنوى، لكنها كانت فى قلب القضايا الكبرى كالقضية الفلسطينية، وتواصلت مع العالم الخارجى والهيئات الأممية، كالأمم المتحدة بجنيف، وزيارات فضيلة المفتى والأمين العام وعلماء الدار إلى روسيا، وصربيا، وأوزبكستان، والمغرب، والجزائر وغيرها من البلدان، لتعزيز التعاون الإفتائى، والتأكيد على ريادة مصر، بلد الأزهر الشريف، وتطاير الصيت العلمى لمؤسسة الإفتاء المصرية ومفتيها، لتصدق كلمة العالم الراحل الشيخ محمد بخيت المطيعى: «مفتى مصر ليس مرجعاً للمصريين فقط فى فتاواه، بل هو مرجع لمختلف الأقطار».