قفزة تجديد الثقة في «السيسي» (2)
فى 30 يونيو عام 2012 وقعت مصر فى فخ جماعة الإخوان الإرهابية التى سطت على الحكم بمؤامرة سابقة التجهيز، وانتبه المصريون سريعاً إلى حقيقة واقعهم الجديد شديد التعقيد الذى تحيط به نقاط الضعف من كل جوانبه، وقبل مرور 60 يوماً على إعلان فوز مرشح الجماعة (محمد مرسى) بالرئاسة، خرجت أول مظاهرة رافضة لحكم الإرهاب، نظّمها حزب التجمع، وفى هذا اليوم سمع المصريون لأول مرة هتاف: «يسقط يسقط حكم المرشد».
وكعادتهم دائماً، تحدى المصريون ما صدّره لهم البعض -زوراً- بأن المسار الطبيعى للتاريخ سيتيح للجماعة الإرهابية حكم مصر لقرون مقبلة، وأن سقوطها يدخل فى عداد المستحيلات، وفقاً لمحددات لا يمكن إغفالها، أهمها على الإطلاق هو الدعم الأمريكى والغربى اللامحدود سياسياً ومالياً ولوجيستياً، ومساندة بعض القوى الإقليمية فى المنطقة، وأمام ارتباك -وقلة حيلة- القوى السياسية جميعها بدون استثناء، عَقَد الشعب آماله على ظهور البطل الشعبى القادر على تصحيح المسار.
حقائق التاريخ التى ترسخت فى وجدان المصريين، حلَّقت بهم فى رحاب الأمل والرجاء بظهور «المخلص» -بفتح الخاء وتسكينها- ومن بعيد جاء عبدالفتاح السيسى وزيراً للدفاع خلفاً للراحل العظيم المشير حسين طنطاوى، واستقبله الشعب -آنذاك- بحذرٍ ملحوظ لم يدُم طويلاً، وسرعان ما تشكلت صورته فى المخيلة الشعبية كفارس جسور قادر على الإنقاذ.
فى البداية أشار البعض إلى الفريق أول عبدالفتاح السيسى على استحياء، وتحولت الإشارات -بعد إصدار «مرسى» إعلانه الدستورى فى نوفمبر 2012- إلى دعوات صريحة له بالتدخل لإنقاذ البلاد من ورطة المرشد وجماعته، وقابل «السيسى» كل هذه الدعوات إما بالصمت أو التلميح بضرورة احترام الشرعية، وتصاعدت الاحتجاجات الشعبية، ومعها أكد الرجل قدرة الجيش على حماية الشعب، وانفجر البركان، وقامت ثورة 30 يونيو، ودوَّى الهتاف.. انزل يا سيسى.
وانحاز الجيش إلى الإرادة الشعبية، وأنقذ الدولة الوطنية من السقوط، ومنح المصريون كل ثقتهم للقائد «المخلص» بتفويضه للقضاء على الإرهاب، وطالبوه باستكمال مهمته بالترشح لرئاسة الجمهورية، وقبل أن يحسم قراره صارحهم بما يجب عليهم أن يتحملوه من مشقات لإعادة بناء الدولة.
وعقب نجاح ثورة ٣٠ يونيو شهد مسرح الجلاء لقاء المشير عبدالفتاح السيسى بعدد من الشخصيات العامة والصحفيين والإعلاميين والفنانين وقادة القوات المسلحة والشرطة، وعلى الهواء مباشرة خاطب كل المصريين: «لو أنا مسكت مش هتناموا»، ورد الحاضرون فى صوت واحد: «مش عايزين ننام»، واستكمل السيسى: «هتتعبوا علشان نبنى البلد»، ورد الجميع: «وإيه يعنى»، وعاد السيسى مؤكداً: «مش هناكل، وهنوفر علشان بلدنا»، وردوا: «نجوع»، وشدد الرجل: «مش هتستحملوا»، وردوا جميعهم: «لا.. هنستحمل واحنا فى ظهرك»، واستكمل السيسى: «البلد مهلهلة.. صحة.. وتعليم.. واقتصاد»، وقالوا بحسم: «ولو، إعمل كل اللى شايفه صح، إحنا موافقين».
واستجاب السيسى وترشح للرئاسة، ومضى فى طريق الإصلاح الضرورى -والمؤلم- ولم يخب ظن المصريين فيمن كلفوه رئيساً لاستعادة ما ضاع، وجدّدوا الثقة فيه بعد أن تأكدوا من إخلاصه لهم وللوطن.
وللحديث بقية.