لماذا خرج المصريون هكذا.. الطريق إلى انتخابات 2024

أحمد رفعت

أحمد رفعت

كاتب صحفي

الكثيرون -ونحن منهم- سعداء بما جرى فى أيام الانتخابات الرئاسية الثلاثة من إقبالٍ غير مسبوق على التصويت يؤكد دعم المصريين لوطنهم ورغبتهم فى المشاركة فى صناعة مستقبل هذا الوطن والمشاركة أيضاً فى صياغة حاضره والأهم على الإطلاق هو تصديقهم وإيمانهم وقناعتهم بأن أصواتهم سوف تُحتَرم.

وأن لخروجهم قيمة ستقدرها الجهات المعنية فكانت هذه الحشود الهائلة التى لم يسبق لها مثيل فى أى انتخابات مصرية سابقة.. برلمانية أو رئاسية.. حيث بلغت أعلاها على الإطلاق فى انتخابات 2014 نسبة الـ47.45٪ وتفوقت على انتخابات 2012 بكل الحشد الذى جرى فيها وكل الأدوات التى استخدمت لخروج الناس، ومنها للأسف استغلال العاطفة الدينية وتأجيجها فى النفوس حتى لو طالت قيماً أخرى فى صميم عقيدة الآخرين وربما كان فى مقدمتها قيمة «المواطنة» من حقوق وواجبات متساوية لمواطنين يعيشون على أرض واحدة.. ومع ذلك تفوقت انتخابات 2014 ونتوقع أن تتجاوز الانتخابات الأخيرة أو الحالية وحتى إعلان النتيجة أرقامها لتكون -كما قلنا- الأعلى على الإطلاق!

ومع ذلك يبقى السؤال أو للدقة يفرض نفسه: ما الذى جرى لتكون حشود المصريين كما رأيناها؟! ما الذى حدث ليخرج المصريون لانتخاباتهم كما شاهدناهم؟! ما المتغير الذى تم وأقنع فئات هى متمردة بطبيعتها، مثل الشباب ليؤمن بحصوله على حقه فى التعبير عن نفسه وعن إرادته ليشارك فى التصويت وبهذه الأعداد، حتى إن الهيئة الوطنية للانتخابات سجلت وفى اليوم التالى للتصويت أن سبعة ملايين شاب اتصلوا بأرقام الهيئة للاستفسار عن لجانهم أو معرفة أماكن تصويتهم؟!

الإجابة هى ما جرى فى السنوات التسع الماضية فى الملفات ذات الصلة.. صحيحٌ اهتمت الدولة بالملفات الثلاثة الرئيسية كاملة، وهى الملف الاجتماعى حيث سابقت فيه الدولة المصرية الزمن، مثل أزمة الزيادة السكانية التى بلغت حداً غير مسبوق، حيث وصلت إلى 2.2٪، أى إننا نزيد أكثر من مليونى مواطن فى السنة، ولكن هذه المرة وضعت الدولة خطة متكاملة تخالف معالجات السنوات السابقة اعتمدت على الحوافز، ومنها التمكين الاقتصادى للمرأة فى الريف حتى تعتمد على نفسها ولا تعتمد على الموروث الشعبى الشهير «ضل راجل»، فتتعدد الزيجات وبالتالى تتعدد حالات الإنجاب وهكذا!

وفى ملف الأمية، سارت فيه الدولة خطوات مهمة وربطته بالخدمة العامة عند التخرج وهكذا فى ملف التطرف، حيث خاضت وزارة الأوقاف حرباً شرسة مع خطباء التطرف وكذلك فى معركة ضم المساجد للوزارة لتكون تحت المظلة الرسمية، وهكذا فى ملف الصحة الذى أدت المبادرات الرئاسية فيه إلى اتزان الخدمات ومعادلتها باحتياجات الناس مما أفضى إلى نتائج ملموسة فى علاج فيروس سى ونتائج طيبة جداً فى الكشف المبكر على المرأة المصرية بالنسبة للأمراض الوراثية وصحة الأم والجنين وإنهاء قوائم الانتظار فى العمليات الجراحية وصولاً إلى قانون التأمين الصحى الجديد الشامل الذى سينهى معاناة المصريين تماماً ويلبى متطلباتهم الصحية! وهكذا فى باقى الملف الاجتماعى.

وكذلك سارت الدولة شوطاً مهماً فى الملف الاقتصادى بتذليل عقبات كثيرة أمام المستثمرين بتغيير تشريعات عديدة واعتماد الشباك الواحد وسيلةً لإنجاز أوراقهم وكذلك فى ملف الصناعة من خلال مائة إجراء لتشجيعها ما بين إجراءات قصيرة ومتوسطة وطويلة الأجل نُفذ حتى الآن 85٪ منها.

وكذلك استخدام الرخصة الذهبية لتشجيع الاستثمار الصناعى وأدى ذلك فعلاً إلى حركة ملموسة فى باقى الملف الاقتصادى والصناعة تحديداً مثل المكون المحلى ونسبته والخامات المستوردة وكذلك دعم الصادرات وصرف المتأخرات منه وأثمر ذلك فعلاً على نتائج طيبة أوصلت نسبة الصادرات الصناعية من مجمل الصادرات المصرية إلى ما يقرب من النصف وهو رقم جيد فى الطريق إلى تحقيق هدف الـ100 مليار دولار صادرات مصرية ستؤدى حتماً إلى تخفيف العبء عن ميزان المدفوعات المصرى.

ويتبقى الجهد المنتظر فى ملف العملة الوطنية وزيادة الاستثمار الأجنبى إلى أرقام مستحقة بعد ما اتُّخذ من إجراءات من المفترض أن تنعكس بشكل أو بآخر على حياة المصريين والوصول إلى حل مناسب إلى أزمة ارتفاع الأسعار ومواجهة الجشع وفيها توصلت الحكومة إلى نقاط جيدة مع الغرف التجارية عند كتابة هذه السطور نرجو أن تكتمل لتأثيرها المهم على حياة المصريين!

يتبقى الملف الثالث، وهو الأخطر والأهم على الإطلاق، لأن من خلاله يمكن التعامل وبالشكل الأمثل مع باقى الملفات.. وهو الملف السياسى الذى ينظم حياة الناس السياسية وحرياتهم وعلاقتهم بالسلطة وعلاقتهم ببعضهم وبالتالى قدرتهم على اختيار نوابهم وحكامهم بالحرية المطلقة المباشرة دون تزييف أو تزوير أو إكراه.

وهذا الملف الأكثر شائكية لكونه له تراكمات طويلة وعميقة ضاربة بجذورها فى التربة السياسية المصرية وتحولاتها التى جرت بالبلاد فى القرن الأخير كله وما أفرزته من جماعات تستخدم الدين غطاءً للوصول إلى أهدافها والدين أحد أهم مكونات قيم وثقافة شعبنا وبالتالى يستغل الاستغلال الأسوأ لمصالح سياسية.. عانت مصر نفسها منها وسرقت السلطة من شعبنا فى لحظة مظلمة نتذكرها جميعاً فليس الأمر ببعيد!

من هنا يكون التأنى فى إحداث تحولات جذرية فى هذا الملف أفضل كثيراً من الاندفاع فيه.. أى انزلاق قد يؤدى بالبلاد إلى عواقب سيئة لا نريدها.. ولا نتمناها.. وبالتالى فعلينا النظر بعين ثاقبة لعملية الإصلاح السياسى الجارية الآن فى مصر ودفع الأحزاب دفعاً للعمل السياسى.

وهذه العملية بدأت فور تراجع نسبى فى العمليات الإرهابية فى عام 2016 أدت إلى بوادر الأمل فى الانتصار فى الحرب مع الإرهاب ما أدى إلى بحث ملف المعتقلين السياسيين غير المتصلين بعمليات العنف ولا بالتحريض عليها.. وهو ما بدأ فعلياً من يومها إلى اليوم بلجنة مشكلة من الشباب أنفسهم بعد توصية بذلك فى مؤتمر الشباب الأول بشرم الشيخ وقد توالت دفعات المفرج عنهم، حسب حالة كل واحد منهم!

بعدها استكملت إجراءات تنقية كشوف الناخبين وتسجيلهم وبُذلت فيها جهود كبيرة جداً وبعدها انعقد المؤتمر الوطنى للشباب فى القاهرة لمناقشة جدول أعمال من نقطة واحدة وهى «المشاركة والتعدد الحزبى» لدفع الأحزاب إلى الحركة من خلال تأسيس أحزاب كبيرة باندماج كل مجموعة أحزاب تتفق فى برامجها وأفكارها بتأسيس حزب واحد كبير يكون فاعلاً فى الحياة السياسية المصرية.. وصولاً إلى عام 2021 حيث ألغيت حالة الطوارئ.

وأطلقت بفارق شهر واحد الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان وصولاً إلى أبريل 2022 بالدعوة إلى الحوار الوطنى لإشراك كل طوائف العمل السياسى فى مصر فى مواجهة التحديات المفروضة على الدولة المصرية باعتبار أن «البلد» ملك للجميع وليست ملك فصيلٍ ولا حزب بعينه ولا حتى الحكومة ولا القيادة السياسية وحدها.

وهكذا.. أدى هذا الإصلاح الجارى إلى حراك سياسى صدقته الناس.. أو على الأقل صدقته قطاعات واسعة من شعبنا. على رأسهم فئات من النخبة السياسية.. ومع انتخابات سابقة.. مرتين لرئاسة الجمهورية ومثلهما لمجلس النواب ومرة لمجلس الشيوخ تراجعت فيها سلبيات الانتخابات التى كانت تجرى فى مصر إلى أدنى درجة ممكنة حتى اختفت تماماً موروثات سيئة السمعة عن الانتخابات فى مصر ولم تعد موجودة وتحولت إلى تاريخ وتراث ليس أكثر.. صحيح لم تختف بعض الظواهر السلبية لكنها لأفراد وليس للجهاز الإدارى للدولة المصرية الذى هو ملك للجميع وليس ملك مرشح ما.. ومع الزمن وتطبيق القانون ستختفى تماماً.. ما يهمنا عدم تأثيرها جوهرياً على الانتخابات ولا مسارها ولا نتائجها!

ومن هنا.. ومع احترام إرادة الناس.. صدقوا أن أصواتهم ستحترم فذهبوا للتصويت وبالكثافة المذكورة..

باستمرار التجربة سنصل إلى الانتخابات التى نأملها، مع تنافسية شديدة وأحزاب تتقارب فى قوتها ومعارضة حقيقية تقدم برامج وحلولاً حقيقية لمشكلات شعبنا ومجتمعنا وتقدم لمصرنا موارد فى كافة المجالات.. لكن هذا لا يتم بقرار.. إنما بالتراكم.. وقد قطعنا شوطاً مهماً، وعلينا استكماله وتشجيعه والحفاظ عليه وصور المشاركة التى شاهدناها تفتح باب الأمل واسعاً لذلك.

الحمد لله وتحيا مصر..