الكنز.. اسمه المصريون

محمود مسلم

محمود مسلم

كاتب صحفي

يثبت المصريون يوما بعد الآخر أنهم على قدر التحديات، إذا أحاطت بالوطن أي أخطار أو حتى شوائب، ويتسابقون في رد الجميل لمن أخلص لهم على مدى سنوات، وعاش بينهم أصعب اللحظات.

لم يكن المشهد غريبا، خلال الأيام الثلاثة للتصويت في الانتخابات الرئاسية بالداخل، حيث اصطفت كل الأجيال والفئات من جميع المحافظات في طوابير للتعبير عن رأيهم وسط تنوع المرشحين المطروحين، ومما لا شك فيه أن هناك أسبابا عديدة ساهمت في الوصول لهذا المشهد الوطني بامتياز، وهي:

التحديات الإقليمية وخاصة الحرب على غزة، والتي ألقت بظلالها على الانتخابات الرئاسية، حيث استعاد المصريون شعورهم بنعمة الآمان والاستقرار، وسط إقليم مضطرب، كما أن موقف الدولة المصرية بقيادة الرئيس السيسي كانت حافزا للقوى السياسية والشعب المصري للإصطفاف والتضامن مع القضية الفلسطينية ورفض مزاعم التهجيز.. ولعل تطابق الموقف الرسمي مع الشعبي مع الإعلامي ساهم في مواجهة المخطط الذي تسعى إليه إسرائيل بدعم غربي منذ سنوات، بخلاف أن الرئيس السيسي اهتم بالشأن الفلسطيني على كافة المستويات، الدبلوماسية والسياسية والإنسانية، اهتمام بالأفعال وليس الأقوال المرسلة.

تنوع المرشحين وبرامجهم، حيث خاص الانتخابات 3 مرشحين رؤساء لأحزاب لها تمثيل برلماني متميز، وهم فريد زهران رئيس الحزب المصري الديمقراطي "يسار الوسط"،ود.عبد السند يمامة رئيس حزب الوفد  "يمين"، وحازم عمر رئيس حزب الشعب الجمهوري "يمين الوسط"، بالإضافة إلى المرشح الرئاسي عبد الفتاح السيسي الذي يحظى بدعم أحزاب قوية برلمانيا وشعبيا مثل حزب مستقبل وطن، وحماة وطن، مصر الحديثة، كتلة الأحزاب المصرية ..وغيرها.

هناك متغير جديد في هذه الانتخابات يمثل إضافة حقيقية للمشهد الإنتخابي، وهو تحرك المجتمع المدني عبر التحالف الوطني للعمل الأهلي والتنموي ومؤسسة حياة كريمة للحشد بكوادرهموقاعدة بياناتهم وشبابهم المدرب والمتواجد منذ سنوات وسط أهالينا في القرى، لحثهم وتنظيم دخولهم إلى لجان الانتخابات دون تدخل في توجيه الأصوات.

لا يمكن أن نتناسى أن المشهد الحالي نتاج طبيعي للحوار الوطني، الذي أطلقه الرئيس السيسي تحت شعار "الخلاف في الرأي لا يفسد للوطن قضية، حيث اصطفت كل القوى السياسية في احدى المرات النادرة منذ ثورة 30 يونيو، وأعتقد أن الثقة قد زادت بين النظام والأحزاب السياسية وخاصة بعد استجابة الرئيس للعديد من التوصيات وتنفيذها، بل إن السيسي وعد خلال إعلان ترشحه دعم القوى السياسية والتعددية الحزبية خلال الفترة المقبلة، كما يحسب للحوار الوطني أنه صاحب مبادرة إجراء الانتخابات الرئاسية تحت الإشراف القضائي الكامل، قبل نهايته في 16 يناير المقبل.

الانتخابات كانت بروفة أخيرة للأحزاب لإختيار كوادرها ونوابها، قبل معركتي الشيوخ والنواب في 2025، لذلك كانت الانتخابات فرصة حقيقية لمنافسة الأحزاب، وتشغيل الماكينات التنظيمية  في الحشد والتصويت لكافة المرشحين.

لعب الإعلام المصري دورا كبيرا في توعية المصريين وحثهم على ضرورة المشاركة، خاصة أنه أتاح لكافة المرشحين الظهور بشكل مكثف ليتعرف الناس على أفكارهم وبرامجهم، وكان الإعلام محايدا ومنفتحا على الجميع.. ويحسب للقنوات والمواقع والإذاعات المصرية أن المصريين تعرفوا على المرشحين وتفاصيل العملية الإنتخابية من خلالهم، وليس من أي إعلام آخر، وهو ما لقى إشادات من المرشحين بدور الإعلام المصري، ولعل مبادرة "المتحدة" بمنح كل مرشح 100 دقيقة إعلانية مجانا ساهمت في فاعلية الانتخابات وزيادة الوعي.

نجحت  الهيئة الوطنية للانتخابات التي استخدمت أحدث التطورات التكنولوجية وتجاوبت الهيئة بشفافية مع كل مشاكل المرشحين والناخبين، وعملت على تذليل كل الصعوبات بشفافية، وتعاملت مع المنظمات والاعلام بشكل يعكس استقلالية وثقة وحياد وكفاءة في إدارة كافة تفاصيل العملية الإنتخابية.

فتح 361 لجنة للوافدين ساهم في زيادة عدد المصوتين، خاصة أن هناك عدد من العاملين في قطاعات السياحة والصناعة في المدن الجديدة، وكذلك الطلاب المغتربين، والذي يصل عددهم بالملايين قد أتيحت لهم فرص التعبير عن أرائهم بسهولة دون سفر أو تكلفة.

وأخيرا.. مشهد الانتخابات الرئاسية يستحق دراسته بتأني، لزيادة الإيجابيات والبناء عليها للوصول إلى عملية ديمقراطية سليمة، والأهم أنه يستحق الشكر لكل مصرية ومصري أثبتوا أن حبهم وانتمائهم لبلدهم ينفجر وقت الشدة، وأن المقاطعة والعزوف لم تعد مع أجندتهم مطلقا.