قراءة فى البيان الختامى للقمة العربية

فرحنا كثيراً لانعقاد مؤتمر القمة، ومشاركة كل الدول، وللأسف ما عدا سوريا حيث لم تشارك مشاركة رسمية أو شعبية، لوضعها المؤسف المعقد الذى لا يفرح به أو له إلا العدو وإن بدا صديقاً. كانت القضايا المطروحة على جدول الأعمال كثيرة، وأكبر فى ظنى من وقت اللجان التى درستها، والوزراء الذين راجعوا الملفات قبل العرض على القمة، ولكن أهم ما فى هذا المؤتمر التئام الصف العربى، حتى مع الاختلاف فى الآراء والمواقف من القضايا المطروحة على جدول الأعمال أو غير المطروحة وهى أكثر بكثير، وفى مقدمتها قضايا ملتهبة جداً مثل اليمن وليبيا وسوريا، وقضايا عتيقة مثل فلسطين تزداد كل يوم تعقيداً. ومن أهم الملفات المطروحة السعى لإنشاء قوة عربية عسكرية مشتركة لأن القوة هى الطريق الوحيد لإحقاق الحق، خصوصاً فى عالم مثل الذى نعيش فيه اليوم، هو عالم الهيمنة الغربية. يمكن أن نسمى هذه القمة بالذات قمة التحديات الأخطر، ولذلك فإننى أقترح إنشاء مركز دراسات وأبحاث للنظر فى مستقبل العالم العربى وعلاقاته، تلك التحديات التى تستهدف مستقبل الأمة، وخطورة تلك التحديات أنها تهدد الأمن القومى العربى كله سواء فى دول الملوك أو الرؤساء أو الأمراء أو السلاطين. نحتاج مركزاً مستقلاً يدرس ويوصى بالحلول قبل العرض على الحكام. هناك طبعاً الكثير الذى يمكن عمله على المستوى الإقليمى فى العالم العربى، والسعى بأمر الله تعالى لعمله، هو من السنن الحسنة التى تحتاج الأمة إلى تطويرها دائماً، وأيضاً هناك الضرورة التى إذا ما تركناها أصبحت ضرراً علينا جميعاً. فالضرورة اليوم ملحة للاجتماع والتحاور والتشاور والتكامل والتعاضد والعمل المشترك فى كل المجالات وعلى كل المستويات دون إبطاء. العالم العربى، وامتداده وعمقه العالم الإسلامى، وامتداداته فى أفريقيا وآسيا، غنى بالموارد البشرية والموارد الطبيعية، وكلتاهما ثروة كبيرة لا تستغنى عنها خطط التنمية. فمن لديه ثروة بشرية تحتاج إلى تدريب وتثقيف حتى تصبح عمالة فنية ومهنية عالية، تسد الفراغ القائم فى الدول التى ليس لها ثروات بشرية كبيرة، وإن كانت لديها ثروات مادية شاسعة. هل فى ضوء تلك الثروات، وفى ضوء إنشاء القوة العسكرية العربية المشتركة تستطيع تلك الدول، فى إطار الجامعة العربية، أن تدافع عن نفسها ضد الأخطار المحدقة بها؟ وهل تستطيع أن تستغنى عن الاستيراد، وأن تنتج ما تحتاج إليه على الأقل من الغذاء والدواء والسلاح؟ وهل تستطيع تلك القوة أن تحمى البلاد دون الحاجة إلى قواعد عسكرية أمريكية أو فرنسية أو غيرهما؟ لا أقول نحتاج قوة تثرى الحضارة القائمة، وهى جزء من عمارة الأرض التى استعمرنا الله فيها، ولكننا لم نقم بواجب هذا الاستعمار. أنا أعتقد أن حكام العالم العربى باتوا يدركون خطورة تهديدات الأمن القومى اليوم عن ذى قبل لأن النار اقتربت منهم. أين نحن من «يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ» وقوله تعالى: «وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ»؟! أكد المؤتمر التضامن العربى قولاً وعملاً فى التعامل مع التطورات الراهنة التى تمر بها المنطقة. هذا جميل، ولكن هذا التضامن عمل يحتاج إلى استراتيجيات وخطط دقيقة جداً، ويخضع التنفيذ للمراقبة والمتابعة الدقيقة ومحاسبة وشفافية حتى تتحقق الغايات. ولكن هذا أيضاً يحتاج إعطاء القوس لباريها، والبحث عن أهل الكفاءة والمقدرة، وتوفير المتطلبات اللازمة لهم لوضع تلك الاستراتيجيات والإشراف على تحقيقها، وأستطيع أن أقول إن كثيراً من المؤسسات القائمة تحتاج إلى إعادة ترتيب حتى تستطيع القيام بتلك المهام. كان من الموضوعات المهمة على المائدة للبحث فى القمة أو الاعتماد موضوع الإرهاب الذى لا يعرف أرضاً ولا حدوداً، ويشوه صورة الدين والحضارة وكل شىء. فالإرهاب يبدأ فى أشكال منها التشدد، والتطرف، والغلو فى الدين، مما يؤدى إلى رذيلتين واضحتين: هما التكفير والاستحلال، وهما من أخطر الفتاوى الشاذة، ويؤدى إلى تكرار ظاهرة الخوارج. كنت أتمنى حل المشكلات قبل أن تستفحل، ولكن إدراك الخطر قبل استفحاله يحتاج إلى استطلاع وتحليل صحيح، إذ إن معظم النار من مستصغر الشرر، وحل المشكلات المتماثلة فى البلدان المختلفة، وأخطرها الفتنة الطائفية التى لا تحلها الحروب والغزوات والشتائم، ولكنها قبل أن تستفحل تحتاج إلى حوار جاد معمق، وتنقية التراث والفكر مما يشوبه، وهذا عمل العلماء الأجلاء من أصحاب العلم والإخلاص، وتستطيع مصر أن تقوم بدور بارز فى هذا الصدد بما لديها من إمكانات وقدرات وعلماء وسطيين، دون أن تنحاز فى هذه الفتنة بالذات لأن هذه الفتنة الطائفية يمكن أن يستثمرها الأعداء الحقيقيون للأمة، إن لم تجد إدراكاً وحكمة. نجحت القمة والنجاح مقدر وجميل، ولكنه ليس نهاية التحديات، بل بداية صحيحة للعلاج وتحتاج إلى من يستثمرها. وشكراً لمصر، حكومة وشعباً ورئيساً، على الجهد والعرق والسعى فى وحدة الصف والمحافظة على سلامة الأوطان. والله الموفق