هدنة الكاتب
بعد أن بدأ سريان هدنة غزة , فكرت أنه يمكنني أنا أحصل على هدنة أيضا من الكتابة في السياسة والحرب وتاريخ الحروب. كنت بدأت في هذه النحو منذ أن حلت ذكرى مرور خمسين عاما على انتصار أكتوبر المجيد.
أي منذ ما يقرب من شهرين .إن الكاتب في الأساس يستمتع بكتاباته قبل أن يمتع بها القارئ , لذلك فالتنوع في الموضوعات التي أكتبها يزيد من هذه المتعة ويجعلني أوسع مجال قراءاتي لتغطية الموضوعات التي أكتب عنها.
والكاتب المقبول عند القارئ يمنحه ما يريد من معلومات وأسلوب ويرد بشكل غير مباشر على تساؤلاته التي قد يطرحها بينه وبين نفسه . وعندما يكتب أحد كبار الأدباء او المبرزين في عالم الكتابة فإنه لا يكتب فقط عن السياسة أو الصحافة أو الحرب وإنما يغطي كل مناحي الحياة حسبما يراها وحسبما يريد . فقد كتب توفيق الحيكم عن حماره وإن كان حواره مع الحمار مغلف للتغطية على موضوعات أخرى أرادها أن تمر بدون محاسبة , فالحكيم كان يتفادى الحديث في السياسة أو الموضوعات الشائكة وعندما كتب الأحاديث الأربعة إلى الله دخل في صراعات ثقافية ودينية لا آخر لها.
وكتب طه حسين في الأيام عن طفولته وشيخ الكتاب وشغفه بالعسل الأسود وكلها موضوعات أدبية تظهر تفاصيل المكان والزمان الذي عاش فيه العميد وما تأثر به , وقد كانت الأيام طليعة كتب السيرة الذاتية في الأدب العربي وكان رائدها طه حسين.
كما كتب العقاد عن بيته وطيف كان يحب ذاك البيت وشعوره بالراحة خلال وجوده داخل حجراته وعلاقته بمكتبته .عندما نطالع إصدارات الكتب الأجنبية نعجب لعناوين الكثير منها , فهي تتطرق إلى موضوعات قد نراها غريبة وقد لا يستسيغ أحدنا تناولها وإن كان جيل الكتاب الجديد يسير حثيثا لتناول موضوعات على غرار نظام التفاهة وقلق السعي إلى المكانة وتاريخ القباحة وتاريخ الملح وقصة التوابل واختراع الشيكولاتة وغيرها من العناوين التي لم نألفها من قبل ولكن جاءت شبكة الانترنت لتوسع من فرصنا في الاطلاع على كل ما هو جديد وبالتالي معرفة أن القارئ قد يقبل على كتب ليس من الضروري أن نكتبها ونحن مقطبون جبيننا أو يتلقاها القارئ وهو مكشر وجهه.
إن الكتابة هي المتعة الوحيدة التي تضاهي القراءة , وليس هنا أو هناك أو مجال آخر يحمل نفس المتعة للناس . لذلك سأنتهز الفرصة للحصول على هدنة , ليس بالامتناع عن الكتابة وإنما للكتابة عن موضوعات أخرى غير الحرب والسياسة . إنها هدنة مؤقتة تواكب هدنة غزة.