محمد عبدالجواد يكتب: مستوطنات غلاف غزة.. طعام مرويّ بالدم!

كتب: محمد عبدالجواد

محمد عبدالجواد يكتب: مستوطنات غلاف غزة.. طعام مرويّ بالدم!

محمد عبدالجواد يكتب: مستوطنات غلاف غزة.. طعام مرويّ بالدم!

 غلاف غزة منطقة جغرافية ممتدة على طول الحدود بين إسرائيل وقطاع غزة، وتتكون من منطقة عازلة تضم حواجز برية وقواعد ونقاطاً عسكرية وأراضى زراعية شاسعة و3 مجالس إقليمية، يوجد بها 57 مستوطنة يعيش فيها أكثر من 70 ألف إسرائيلى، و27 ألف عامل زراعى أجنبى، وهذه المجالس هى أشكلون وأشكول وشاعار هانيجف، ومن أبرز المستوطنات التى استهدفتها حماس مع انطلاق طوفان الأقصى سديروت، وهى أكبر وأقرب مستوطنة إلى قطاع غزة، ويعيش فيها 35 ألف نسمة، وزيكيم التى تقع على البحر المتوسط، وتضم قاعدة عسكرية وقتل فيها 100 مستوطن، بجانب خطف العديد منهم إلى قطاع غزة، وناحال عوز ورِعيم.

مستوطنات غلاف غزة هى سلة غذاء إسرائيل السامة، التى تمت مصادرة أراضيها بالقوة وارتوت بدماء أصحابها الفلسطينيين، لتصبح محاصيلها فى مرارة العلقم، وجاءت عملية طوفان الأقصى وما صاحبها من أحداث متصاعدة لتقضى على أحلام إسرائيل فى البقاء طويلاً بها، بعد أن فر منها سكانها وكل من يعملون بها كالفئران المذعورة مع بدء عملية اقتحام المستوطنات وإطلاق الصواريخ عليها من جانب فصائل المقاومة، ما يهدد إسرائيل بأزمة غذائية قاتلة إذا طال أمد الحرب المشتعلة على قطاع غزة.

مستوطنات غلاف غزة هى طعام إسرائيل المروى بدماء الأبرياء خلال عمليات مصادرة الأراضى والاستيلاء عليها بالقوة المفرطة، فمنها يخرج 75% من الخضراوات و20% من الفاكهة و6.5% من الحليب اللازم للسوق الإسرائيلية بخلاف مزارع الدواجن والماشية والأسماك.

لكن فجأة وبدون سابق إنذار وبين عشية وضحاها تحولت مستوطنات غلاف غزة، المعروفة باسم حقل الخضراوات الإسرائيلى الخصب، إلى أماكن مهجورة لا يجرؤ أحد على دخولها أو حصد محاصيلها ونقلها إلى باقى مناطق إسرائيل منذ انطلاق عملية طوفان الأقصى فى السابع من أكتوبر.

ومن أجل هذا الكنز الثمين الذى فقدته إسرائيل، وهو الدجاجة التى تبيض لها ذهباً وتغطى نسبة كبيرة من احتياجات سكان دولة الاحتلال وزائريها من الخضراوات والفاكهة والألبان واللحوم والبيض، تكثف قوات الاحتلال ضرباتها المجنونة ومجازرها الوحشية ضد المدنيين الأبرياء فى المدارس والمستشفيات وعلى الطرقات خلال التنقل بحثاً عن أماكن أكثر أمناً تقيهم من الضربات الجوية المسعورة لحسم المعركة فى أقصر فترة ممكنة، وضمان استعادة خيرات ومنتجات مستوطنات غلاف غزة، لأنه كلما طالت الحرب زاد الاستنزاف الاقتصادى وتواصل نزيف الخسائر الإسرائيلية، وهو ما لن يقدر الاقتصاد الإسرائيلى على مواجهته والصمود أمامه لفترة طويلة.

المزارعون الإسرائيليون وأصحاب أماكن تربية الحيوانات يعيشون حالة من الرعب خوفاً من حدوث انهيار اقتصادى غير مسبوق، بسبب الأضرار التى لحقت بالبنية التحتية الزراعية والحظائر وأقفاص الدجاج، بجانب أنهم سيبقون هدفاً متاحاً لضربات المقاومة فى المستقبل.

فاتورة الخسائر الإسرائيلية فى مستوطنات غلاف غزة لم تتوقف عند ما فقدته من منتجات وترحيل المستوطنين والعمالة الأجنبية داخل المستوطنات، ولكنها ستمتد إلى التعويضات الكبيرة التى سيتعين على الحكومة تقديمها للمتضررين ولعائلات القتلى والمصابين والمخطوفين بعد تقدير حجم الأضرار والخسائر بشكل كامل.

ومنذ سنوات طويلة تفرض سلطات الاحتلال قيوداً مشددة على أراضى غلاف غزة، وتمنع المزارعين الفلسطينيين من الاستثمار فيها وانتزعتها لصالح المستوطنين، ومع انطلاق عملية طوفان الأقصى فى 7 أكتوبر الماضى أصيبت منطقة مستوطنات غلاف غزة بالشلل التام، واضطربت قدرتها على العمل وحصاد المنتجات الزراعية بعد إجلاء العمال الأجانب من المنطقة.

ورغم أن الحكومات الإسرائيلية قدمت إغراءات مادية وتخفيضات ضريبية ووظائف وسكناً مدعوماً وتشجيع الاستثمار فى السياحة الريفية ومزارع الدواجن والحقول لجذب المزيد من السكان إلى هذه المستوطنات فإنه يبدو أمراً بعيد المنال، وجاءت عملية طوفان الأقصى لتبدد أحلام كل حكومات إسرائيل وعلى رأسها حكومات اليمين المتطرف.

وفجأة تحولت أراضى غلاف غزة التى كانت واحة الأمن الغذائى الزراعى لإسرائيل إلى برميل بارود يهدد بمجاعة فى دولة الاحتلال إذا لم تتمكن من تدبير احتياجاتها بأقصى سرعة.

ولأن مستوطنات غلاف غزة عرضة لقصف المقاومة الفلسطينية المتواصل فإنه من الصعب تقدير حجم الأضرار والخسائر التى تعرضت لها، خصوصاً بعد أن فر منها معظم سكانها، وتم ترحيل العمالة الأجنبية الموجودة بها ومعظمها يحمل الجنسية التايلاندية، وأصبحت المحاصيل الزراعية الناضجة عرضة للتلف لعدم وجود من يجنيها.

مستوطنات غلاف غزة أو حقل الخضراوات الإسرائيلى الخصب بات يعانى من اضطرابات خطيرة فى قدرته على العمل وحصد المنتجات الزراعية، كما أن الكثير من سائقى الشاحنات يرفضون دخولها لنقل المحاصيل والمنتجات، وبالتالى ستواجه إسرائيل نقصاً حاداً فى الفاكهة والخضراوات لعدة أشهر قادمة.

ولمواجهة النقص الحاد فى الإمدادات الغذائية قررت حكومة إسرائيل استيراد 10 ملايين لتر حليب شهرياً، تمثل 33% من سوق الحليب داخل إسرائيل، لمدة 3 أشهر بجانب 50 مليون بيضة، وهو الأمر الذى ينذر بخسائر فادحة للمزارعين ويحقق أرباحاً هائلة للمستوردين وتجار سلاسل التجزئة إذا استمرت الحرب وزاد الاعتماد على الأسواق الخارجية لتأمين الاحتياجات من الغذاء.

وفى النهاية يبقى السؤال الذى ستجيب عنه الأيام القادمة.. ما المصير المحتوم لمستوطنات غلاف غزة؟ وهل ستعود للعمل بكامل كفاءتها الإنتاجية كما كانت من قبل؟ وهل سيعود إليها سكانها أم أن مشاهد 7 أكتوبر ستبقى مسيطرة عليهم وكابوساً يطاردهم فى نومهم ويقظتهم وتمثل لهم فزاعة تمنعهم من العودة إليها بالكثافة التى كانت موجودة قبل طوفان الأقصى؟ وما حجم الأضرار التى لحقت بالبنية التحتية لهذه المستوطنات؟ وما حجم فاتورة إصلاحها؟ وهل ستعلن إسرائيل عنها بالتفصيل أم أنها ستظل سراً من أسرارها الحربية؟


مواضيع متعلقة