إلى شعب إسرائيل

أميرة خواسك

أميرة خواسك

كاتب صحفي

الكابوس الذى يعيشه الآن سكان إسرائيل من المؤكد أنهم يحتاجون بسببه إلى دعم نفسى، بعد أن تحقّقت كل مخاوفهم التى عاشوا طوال خمسة وسبعين عاماً يُردّدونها ويبتزون العالم بها، وهم يصدّرون له فزعهم وخوفهم مما يحاصرهم من كراهية العرب الوحوش القتلة ورغبتهم فى القضاء عليهم! والآن وبعد كل هذه العقود والسنوات اتضح أن مخاوفهم كانت حقيقية، وأن فزعهم كان فى محله. وأن أعداءهم العرب الذين صمدوا وتحمّلوا كل هذه السنوات يواجهون الموت والقصف والضرب والقنص وكل صنوف الفزع بشجاعة لا مثيل لها، ويقدّمون أرواحهم بكل ثبات، فى الوقت الذى ينهار فيه المجتمع الإسرائيلى ويتركه سكانه ويرحلون، عائدين إلى مواطنهم الأصلية.

لكن الأمر الغريب أنه ما زال هناك من لم يرحل بعد، ويعيش على هذه البقعة من الأرض، وهذا هو الغباء بعينه! فرغم صافرات الإنذار التى تُدوّى على فترات متقاربة، والمخابئ التى اكتظت بقاصديها، ورغم الهجمات المتوالية التى يتعرّض لها الإسرائيليون، ورغم الأسرى والجرحى والقتلى الذين تزداد أعدادهم يوماً بعد يوم -رغم كل هذا- فلا يزال هناك من يسكن إسرائيل ولم يرحل بعد!

فى آخر تعداد أصدره مكتب الإحصاء المركزى الإسرائيلى عام ٢٠٢١، بلغ عدد سكان إسرائيل تسعة ملايين وثلاثمائة ألف، وقد بلغوا هذا العام (٢٠٢٣) تسعة ملايين وسبعمائة ألف، منهم مليونا عربى، أى نحو ربع السكان. وهو ما يعنى أن السبعة ملايين إذا ما تم توزيعهم وعادوا إلى بلادهم الأصلية فلن يشكّلوا أى مشكلات سياسية أو اجتماعية أو أمنية، بل على العكس سيحلون كل مشكلاتهم ويعودون إلى أوطانهم وأسرهم وحياتهم الطبيعية التى تركوها بعد أن خُدِعوا من أجل حلم اتضح زيفه، وأن الدولة التى اعتقدوا أنهم سيعيشون حياة مستقرة آمنة فيها تفتقر إلى أبسط قواعد الأمن، وأن الخطر يحيط بها من خارجها ومن داخلها.

على الإسرائيليين الآن أن يتّخذوا خطوة تحافظ على ما تبقى منهم قبل أن يفنى كل أبنائهم، خاصة أنهم الآن يحكمهم رئيس وزراء فقد ما تبقى من عقله وجن جنونه ويفعل أى شىء من أجل الحفاظ على كرسيه، الذى أصبح يتهاوى وسط العاصفة ما بين مطاردات باتهامات فساد، وفشل إدارة وسوء حكم. عليهم أن يدركوا أن رئيس وزرائهم على استعداد بأن يضحى بهؤلاء السبعة ملايين فى مقابل أن يظل يحكم، وعليهم أن يدركوا أن هذه الحرب جاءت له على طبق من فضة ليفلت من محاكمات بتهم الفساد، ويظل على رأس الوزارة حتى تنتهى الحرب ولن تنتهى، لأنه ليس من مصلحته أن تنتهى، وبالتالى سيظل الإسرائيليون فى حالة حرب وحالة اضطراب وجرحى وقتلى لا يعلم سوى الله عددهم.

الحقيقة أن المظاهرات التى تخرج فى كل يوم ما بين القدس وتل أبيب مندّدة بالحرب ومطالبة بعودة الأسرى ليست كافية، ولن توقف الحرب، وعلى من تبقى من الإسرائيليين أن ينجو بنفسه ويعود إلى وطنه، فمن الغباء الاستمرار فى أرض لن تستمتعوا فيها يوماً بالأمان ولا بالاستقرار ولا بالحياة التى كنتم تحلمون بها، وما هى سوى أيام قليلة حتى يخرج الشعب الأمريكى والشعوب الأوروبية محتجة على المساعدات التى تحصل عليها حكومتكم وتكلف ميزانية هذه الدول أعباء كثيرة تتحمّلها شعوبها دون هدف أو مصلحة، وستصبحون أمام أهل الأرض الحقيقيين وجهاً لوجه، وهم لن يسامحوكم يوماً بعد أن ذبحتم الآلاف من أطفالهم ونسائهم وشبابهم.

يا من تبقى من الشعب الإسرائيلى انجوا بأنفسكم وعائلاتكم قبل ألا تجدوا عائلاتكم ولا حتى أنفسكم، ولا بلد تلجأون إليه، وعندها ستعرفون كم تسببتم للشعب الفلسطينى فى ألم لن يمحوه أى ندم وستعلمون أن لكل ظلم نهاية.