دور السينما في دعم الصناعة الوطنية

فن السينما هو أحد عناصر ما اصطُلح على تسميته مؤخراً «الاقتصاد الإبداعى». وصناعة السينما هى إحدى الصناعات المهمة وأحد عناصر القوة الناعمة المصرية. وتحدّث بعض الكتاب عما أطلقوا عليه مصطلح «الدبلوماسية السينمائية»، ملقين الضوء على الكيفية التى يمكن من خلالها للدول استخدام الأفلام لتحقيق أهداف سياستها الخارجية. والحقيقة أننى لم أقدّر هذه الصناعة حق قدرها إلا بعد سفرى إلى باريس فى نهاية القرن الماضى لإعداد رسالة الدكتوراه فى القانون، حيث اكتشفت أن اللهجة المصرية هى أداة التواصل بين العرب جميعاً، حيث يندر ألا يعرف عربى هذه اللهجة، والسبب فى ذلك يعود إلى الأفلام والمسلسلات والأغانى المصرية.

وقد كثر الحديث مؤخراً عن ضرورة دعم صناعة السينما، حتى تعود الأفلام المصرية إلى سابق عهدها. وحتى يتحقق الاقتناع اللازم لدى صُناع القرار والرأى العام الجمعى بأهمية وضرورة دعم صناعة السينما، يبدو من الضرورى بيان المردود المالى والاقتصادى لهذا الدعم. ومنظوراً للأمور على هذا النحو، نعتقد أن من المناسب إلقاء الضوء على «دور السينما فى دعم الصناعة الوطنية».

والواقع أن هذا الموضوع قد اكتسب زخماً كبيراً مؤخراً، وذلك بمناسبة حملات مقاطعة بعض السلع والبضائع والمنتجات الأجنبية، بسبب دعم الشركات المنتجة أو المصنعة لها للعدو الصهيونى فى حربه على قطاع غزة. إذ بدأ بعض مستخدمى مواقع التواصل الاجتماعى فى نشر بعض المشاهد من الأفلام المصرية التى وردت فيها إشارات - ولو بسيطة - لبعض المنتجات الوطنية. وقد كان نصيب الأسد فى هذا الشأن للمشروب «سبيرو سباتس» المصرى الصنع. ولمن لا يعلم، فإن «سبيرو سباتس» هو أول مشروب غازى مصرى (كازوزة)، ويعود ظهوره إلى العام 1920م، على يد أحد اليونانيين المقيمين آنذاك فى الإسكندرية، وذلك قبل أن يشتريه منه أحد رجال الأعمال المصريين، مع الإبقاء على العلامة التجارية والاسم التجارى كما هو دون تغيير. وقد شهد هذا المشروب رواجاً كبيراً فى الفترة الأخيرة، بعد أن دعا رواد مواقع التواصل الاجتماعى إلى إطلاق حملات لمقاطعة المنتجات الأجنبية الداعمة لجيش الاحتلال الإسرائيلى، وبالتالى أصبح هذا المشروب المصرى فى يد الجميع تشجيعاً للمنتج المحلى. وكان للسينما أيضاً دور فى عودة هذا المشروب إلى السوق المصرية مجدداً بعد أن اختفى عن ساحة المنافسة سنوات طويلة؛ ففى العام 2010م، عُرض فيلم «سمير وشهير وبهير» فى دور السينما، ليحقق نجاحاً ساحقاً، وتكون مشاهده هى الأبرز تداولاً على مواقع التواصل، وسلط صُناع الفيلم الضوء على مشروب «سبيرو سباتس» وعلامته التجارية الشهيرة. إذ تدور أحداث هذا الفيلم فى إطار الخيال العلمى حول السفر عبر الزمن، حيث كان الأشقاء الثلاثة سمير (أحمد فهمى) وشهير (شيكو) وبهير (هشام ماجد)، يتجولون فى حقبة السبعينات، وهى الفترة التى التقى فيها والدهم منير الخطير (شريف رمزى)، بوالدة كل منهم، عندما توقفوا أمام أحد الأكشاك لشراء شىء يشربونه، وكان الكُشك مرسوماً عليه لوجو سبيرو سباتس. ومن ثم، دار حوار بين الأشقاء الثلاثة وبائع الكشك، حيث يسأل «بهير» الذى قام بدوره الفنان هشام ماجد، البائع، قائلاً: «عندك فيروز يا عم؟»، ليرد عليه: «فى فيروز حبيتك بالصيف وفيروز نسّم علينا الهوا». ليتعجب بهير من عدم وجود مشروبه قائلاً: «مفيش فيروز أناناس؟»، ليرد البائع: «لأ مفيش»، ليسأل البطل «طب فيه إيه عندك يتشرب؟» ويأتى الرد: «سباتس». وهكذا، ورغبة فى تشجيع المنتج الوطنى، أعاد رواد وسائل التواصل الاجتماعى تسليط الضوء على هذا المشهد، خاصة فى ظل حملات مقاطعة المنتجات الأجنبية التى تدعم دولها قوات الاحتلال الإسرائيلى، مبرزين كيف ساهمت السينما فى الرواج لـ«سبيرو سباتس» بنكهاته المختلفة.

وإذا كان فيلم «سمير وشهير وبهير» هو آخر فيلم مصرى يرد فيه ذكر مشروب «سبيرو سباتس»، فإن ثمة أفلاماً سابقة قامت بتسليط الضوء على هذا المشروب، ونذكر منها فيلم «موعد غرام». ففى هذا الفيلم، جاءت الجملة الأشهر للفنانة «فاتن حمامة» عن الكازوزة، خلال مشهدها مع الفنانة زهرة العلا، بعد أن عزم عليها العندليب عبدالحليم حافظ بالكازوزة، حيث قالت: «إوعى تشربى الكازوزة دى.. ماتبقيش عبيطة دى خطة.. إن شربناها يبقا مفيش تكليف ما بينا.. وأدام شربناها يعنى بقينا أصحاب، وإن بقينا أصحاب يعنى بقينا أحباب، وإن بقينا أحباب يبقى مفيش مانع ناخد لنا صورة إلى الأبد.. ياه هى الكازوزة تعمل كل ده؟!.. أنا كنت فاكراها بتهضم بس». وجدير بالذكر فى هذا الصدد أن فيلم «موعد غرام» من إنتاج عام 1956م، ومن بطولة فاتن حمامة وعبدالحليم حافظ وزهرة العلا وعماد حمدى، ورشدى أباظة، ومن إخراج هنرى بركات، وﺗﺄﻟﻴﻒ يوسف عيسى.

ولا يفوتنا كذلك فيلم «باب الحديد»، حيث ظهرت هنومة (هند رستم) كبائعة للمشروبات الغازية، وهى ممسكة بيدها زجاجة «سبيرو سباتس»، بشكلها القديم، الذى كانت معروفة به وقت طرح الفيلم. وتجدر الإشارة فى هذا الصدد إلى أن فيلم «باب الحديد» من إنتاج عام 1958م، ولعب أدوار البطولة فيه كل من يوسف شاهين، هند رستم، فريد شوقى، نعيمة وصفى، من إخراج يوسف شاهين، وﺗأﻟﻴﻒ عبدالحى أديب ومحمد أبويوسف.

وفيما يتعلق بالمأكولات المصرية والمطبخ المصرى، فإن المشاهد الأبرز والأحدث فى هذا الشأن - فى اعتقادى - هى مشاهد الأكل المصرى فى فيلم «طباخ الريس». وتدور أحداث هذا الفيلم حول متولى (طلعت زكريا)، طباخ شعبى فى حى السيدة عائشة يعيش ظروفاً صعبة فى منزل يجمعه بعائلة زوجته، يفاجأ فى يوم أن رئيس الجمهورية (خالد زكى) أحد ضيوفه، ثم يتم ترشيح متولى بعد ذلك ليصبح الطباخ الخاص بالرئيس، وتزداد علاقة الرئيس به لأنه أصبح يعتبر متولى نبض للشارع المصرى يسمع منه أخبار الشعب وآخر النكت والمشكلات. وفى أحد مشاهد الفيلم، والذى يجمع رئيس الجمهورية (خالد زكى) والطباخ متولى (طلعت زكريا)، يسأل الريس طباخه عما سيأكله اليوم، فأجابه الطباخ: طبق الكشرى بالدقة والتقلية يستاهل بق سعادتك. وبعد أن يأكل الريس طبق الكشرى، يطلب واحد كمالة، قائلاً: أحلى أكل فى الدنيا أكل الشعب المصرى.. ميزة شعبنا إنه بيقدر يعمل من الحاجات البسيطة دى أكلات رائعة. ثم بعد ذلك، وللتحقق من سعر طبق الكشرى، يستدعى وزير التموين، سائلاً إياه عن السعر، فيرد الوزير بأن السعر نصف جنيه، مؤكداً أنه أكل كشرى عند أبوطارق من يومين، وأن السعر هو نصف جنيه. وهنا، يطلب الريس من مكتبه الاتصال بكشرى أبوطارق، للسؤال عن سعر طبق الكشرى. واللافت هنا هو ذكر اسم أحد المطاعم المصرية الشهيرة بالكشرى، وهو أبوطارق. وقد كان المأمول أن يتم قياس تأثير فيلم طباخ الريس على حجم مبيعات كشرى أبوطارق.

وهكذا، يمكن القول إن السينما لها دور مهم فى دعم الصناعة الوطنية. وإدراكاً لأهمية الأدوار المتعددة التى تقوم بها السينما فى مسيرة التنمية الاجتماعية والاقتصادية للمجتمع، يبدو من الضرورى أن تولى الدولة اهتماماً أكبر بدعم صناعة السينما، وصولاً إلى تعزيز الشعار الأغلى والأثير لدى كل مواطن حر شريف، وهو «صنع فى مصر». والله من وراء القصد.