الأخوة الإنسانية في مواجهة الوحشية الصهيونية

لا نعيش في هذا العالم بمفردنا. وقد أثبتت الأحداث الأخيرة التي أعقبت عملية طوفان الأقصى، وما ترتب عليها من عدوان إسرائيلي غاشم على أبنائنا في قطاع غزة، أهمية الاحتفاظ بعلاقات ودية مع شعوب العالم كافة. وكم كان مؤثراً وجميلاً أن تظهر بعض المجتمعات غير المسلمة تعاطفها ودعمها وتأييدها وتفهمها لمعاناة أخوتنا الفلسطينيين في قطاع غزة. بل إن العديد من الفيديوهات قد أظهرت مشاركة بعض اليهود في المظاهرات الداعمة للفلسطينيين واستنكارهم واحتجاجهم ضد العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة. وقد جاءت هذه المواقف في اتجاه مناهض لموقف بعض الحكومات الغربية، ولاسيما موقف حكومات الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا وألمانيا.

ولعلنا جميعاً شاهدنا وتفاعلنا بكثير من التقدير والاحترام والامتنان والعرفان مع المقابلة الصحفية التي تم بثها على شاشات شبكة سي إن إن الأمريكية، يوم الخميس الموافق التاسع من شهر نوفمبر 2023م، وأجراها الإعلامي آندرسون كوبر مع الممرضة الأمريكية الشجاعة والمحترمة إيميلي كالاهان، وذلك بعد حديثها عن الواقع المأساوي في قطاع غزة الذي يرزح تحت القصف والحصار الإسرائيلي، والظروف الصعبة التي تعيشها الأطقم الطبية.

وكانت كالاهان ضمن طاقم منظمة أطباء بلا حدود في غزة، قبل أن يتم إجلاؤها بعد أربعة وعشرين يوماً قضتها تحت القصف في غزة.

وفي ردها على سؤال كوبر عما إذا كانت ترغب بالعودة إلى غزة حال أتيحت لها الظروف، قالت كالاهان: «سأعود إلى هناك على الفور إلى غزة، الفلسطينيون الذين عملت معهم كانوا من أفضل من قابلت في حياتي، هم أبطال حقيقيون، لو استطعت امتلاك قدر بسيط من شجاعتهم، سأموت سعيدة».

ووفقاً لما قاله لي الصديق العزيز المستشار محمد هشام الرافعي، فإن هذه الممرضة أمريكية من أصل إيرلندي، وأن عائلة كالاهان من أكبر العائلات الإيرلندية، وجزء كبير منهم هاجر إلى بوسطن. وجدير بالذكر في هذا الشأن أن الصديق والزميل العزيز محمد الرافعي مصري الأصل، حصل على الماجستير في القانون من إحدى الجامعات الإيرلندية، وحاصل كذلك على جنسية هذه الدولة الواقعة في شمال المملكة المتحدة، والتي تتخذ في العادة مواقف مغايرة لمواقف الحكومة البريطانية، فيما يتعلق بقضايا الشرق الأوسط والصراع العربي الاسرائيلي.

والواقع أن المواقف الإيرلندية في دعم الشعب الفلسطيني في مواجهة العدوان الوحشي الاسرائيلي لافتة للانتباه ولا تحتاج في التدليل عليها إلى أدنى مجهود.

فمنذ الأيام الأولى للحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، لم يتوقف أهالي مدينة ديري الأيرلندية عن إعلان دعمهم للفلسطينيين وقطاع غزة، حيث خرجوا في مظاهرات عدة دعما للقضية الفلسطينية وحق أهل غزة في العيش بحرية وكرامة بعيدا عن تجاوزات وقصف الجيش الإسرائيلي. وخرجت مظاهرة كبيرة في العاصمة الأيرلندية دبلن دعما لأهالي غزة وتنديدا بالعدوان الإسرائيلي، وللمطالبة بوقف عاجل لإطلاق النار، وإدخال المساعدات إلى غزة المحاصرة منذ 17 عاما.

وفي إيرلندا الشمالية، ورغم بعدها آلاف الكيلومترات من الشرق الأوسط، فإن الرموز التي تدل على النزاع الدائر بين إسرائيل وحركة حماس تملأ شوارع هذه المقاطعة من مقاطعات المملكة المتحدة.

إذ ترفرف أعلام فلسطينية في الأحياء المؤيدة لإيرلندا في المقاطعة البريطانية، وأخرى إسرائيلية في تلك الداعمة للمملكة المتحدة، مما يعيد إلى الأذهان تاريخ إيرلندا الشمالية نفسها التي شهدت نزاعات وانقسامات ما زالت تؤثر في الحياة اليومية على رغم اتفاق السلام الموقع عام 1998 الذي أنهى العنف إلى حد كبير.

وإلى جانب الأعداد المتزايدة من الأعلام، تعبر رسوم جدارية عن الدعم إما للفلسطينيين أو لإسرائيل، بحسب مكانها ضمن التقسيم الطائفي في إيرلندا الشمالية. وتعليقاً على ذلك، يقول بعض الكتاب إن إيرلندا «المنقسمة» تطالع صورتها في مرآة حرب غزة.

ولا يفوتنا كذلك أن نشيد بالمواقف الإنسانية لجماهير أندية سلتيك الأسكتلندي وريال سوسيداد الإسباني وناديي ديري وبوهيميان الإيرلنديان، عبر إظهار دعمها للشعب الفلسطيني من خلال رفع العلم الفلسطيني ورفع اللافتات المؤيدة للحق الفلسطيني أثناء المباريات.

وتعتبر جماهير سيلتك داعمة للقضية الفلسطينية منذ عدة سنوات، حيث سبق لها وأن رفعت الأعلام الفلسطينية خلال مباراة فريقه ضد نادي هبوعيل بئر السبع الإسرائيلي، في تصفيات دوري ابطال أوروبا عام 2016م.

وقد أدى هذا التصرف من جماهير الفريق الإسكتلندي إلى قيام الاتحاد الأوروبي بالتحقيق في الواقعة، وفرض غرامة على النادي مقدارها 34 ألف يورو.

وخلال تلك الفترة، أعلنت جماهير سيلتك عن نجاحها في جمع أكثر من 100 ألف يورو، في حملة التبرعات التي أطلقتها عام 2016م، لتقديم المساعدات إلى الدولة الفلسطينية، من أدوات طبية وإنشاء مراكز للاجئين.

ولم يتوقف دعم وتشجيع جماهير نادي سلتيك الأسكتلندي للشعب الفلسطيني عند هذا الحد، حيث حرصوا على إظهار دعمهم الكبير للقضية الفلسطينية، عام 2021م، بعد اعتداءات قوات الاحتلال الإسرائيلي، على أهالي حي الشيخ جراح، برفع علم فلسطين في المدرجات قبل مباراة سان جونستون بالدوري.

ومع بداية العدوان الإسرائيلي الحالي على قطاع غزة، ورداً على عمليات القصف المتتالي من جانب قوات الاحتلال الإسرائيلية، عادت جماهير سيلتك لدعم الشعب الفلسطيني، رافعة أعلام فلسطين في مدرجات الملعب الذي جرت عليه المباراة التي جمعت نادي سلتيك مع نادي كليمورنيك بالدوري الإسكتلندي، بالإضافة إلى رفع لافتات تحمل عبارة: «فلسطين حرة، والنصر للمقاومة».

ورغم رفض إدارة نادي سيلتك لتصرفات الجماهير وتبرأها مما حدث، لكن رابطة مشجعي نادي سيلتك الإسكتلندي والتي تسمى (Green Brigade)، أصدرت بياناً جديداً، تطالب فيه الجماهير برفع علم فلسطين خلال مواجهة أتليتكو مدريد المنتظرة في دوري أبطال أوروبا. ونشرت رابطة جماهير سيلتك بياناً عبر حسابهم الرسمي على موقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك»، جاء فيه: «مع تسارع الإبادة الجماعية للفلسطينيين، فإننا ندعو مرة أخرى الجماهير للوقوف بفخر إلى جانب شعب فلسطين في 25 أكتوبر، ضد أتليتكو مدريد».

وأضافت: «نطلب من جميع المشجعين رفع العلم الوطني لفلسطين، ستعني هذه الوقفة الصغيرة الشيء الكثير لأولئك الذين يتعرضون حالياً للقصف العشوائي والمعاناة التي لا يمكن تصورها، لأنها ستجعلهم يعرفون أنهم ليسوا وحدهم، إذا لم تتمكن من الحصول على العلم».

وفيما يتعلق بأهل الفن، يبرز موقف المغنية النرويجية، «أورورا أكسينز»، بإعلانها مقاطعتها لعدد من العلامات التجارية الداعمة لإسرائيل، تضامناً مع أهالي غزة. ولا يفوتنا أيضاً الإشارة إلى موقف الممثلة الأمريكية، سوزان ساراندون، والتي نشرت تغريدة على موقع التواصل الاجتماعي «إكس» (تويتر سابقاً)، قائلة: «ليس من الضروري أن تكون فلسطينياً حتى تهتم بما يحدث في غزة.. أنا أقف مع فلسطين.. لا أحد حر حتى يتحرر الجميع».

كذلك، ومن بين النجوم العالميين الذي أعلنوا تضامنهم مع غزة، نذكر المطربة والملحنة الإسبانية كارمن باريس، التي تعتبر من الداعمين للقضية الفلسطينية، وقد نددت بالمجازر الإسرائيلية كما وصفتها، مؤكدة أن أغلب المواطنين الإسبان ضد ما يحدث.

وأضافت أنهم ضد حصار الشعب الفلسطيني وضد هذه الإبادة المبرمجة التي يجري تنفيذها على مراحل. وأشارت إلى أن المجتمع الدولي ليس هو الذي يسكت على ذلك، وإنما قادة المجتمع الدولي الذين تربطهم جميعهم مصالح بالصهيونية.

ومن جهتها، قالت المخرجة المسرحية الإسبانية ميرثيديس ليثكانو، «من العار أن يدير المجتمع الدولي، وعلى رأسه الولايات المتحدة ظهره للشعب الفلسطيني الذي يعاني منذ عام 1948 هذا الاحتلال المشين لأرضه». واعتبرت المخرجة أن اسرائيل لا تقتل الفلسطينيين فقط، إنما تسرق أرضهم ومياههم وتهدم منازلهم دون أي رادع، وليس هناك من يحرك ساكناً».

أما الممثلة بينلوبي كروز، فقد وصفت الحرب على غزة بكلمة «إبادة»، وذهبت إلى حد مطالبة الاتحاد الأوروبي بإدانة إسرائيل، وأعربت عن بشاعة الحرب التي تقتل الأبرياء في فلسطين وتدمر المنازل، عبر هجوم جوي وبحري وبري. ولفتت إلى أن كل هذا يحدث على مرأى من الاتحاد الأوروبي ولكنه لا يحرك ساكناً. بينما وصف زوجها الممثل خافيير بارديم، الحرب، بكونها حرب إبادة ضد شعب لا يملك أي وسيلة، ويعيش في بقعة صغيرة بلا ماء وكهرباء، حيث الأطفال والاسعاف وكل شيء يستهدف على أنه إرهابي مزعوم، مشيراً إلى أنه وسط كل ما يحدث لا يمكن أن يبقى الفنان على الحياد على الإطلاق، ولاسيما أن هناك وحشية وبربرية في التعاطي بغض النظر عما تعرض له اليهود في الماضي. هذا الموقف كان مماثلاً مع المخرج السينمائي الحائز جائزة أوسكار بيدرو ألمودوفار.

وفي ميدان التمثيل أيضاً، كان للممثل الكوميدي روب شنايدر تغريدة عبر من خلالها عن استيائه من الاعتداء الإسرائيلي على المدنيين في غزة وأثره فيهم، مبيناً أن الحصار على غزة أبرز البشاعة اللاإنسانية والدموية. أما الممثل روبرت دينيرو، فقد وجه اللوم إلى حكومة الولايات المتحدة الأميركية في هذه الحرب الحاصلة على غزة، كونها هي التي فتحت المجال أمام إسرائيل وشجّعتها ودعمتها، وفسر هذا الدعم بقوله، «لو قام كلب مسعور بمهاجمتك وعضك، هل تلوم الكلب أم صاحب الكلب، بالتأكيد ستقوم بلوم صاحب الكلب، لذلك اللوم يقع على الحكومة الاميركية التي تتبنى دولة إسرائيل».

وبدورها، أعلنت المطربة مادونا تضامنها وتعاطفها مع أطفال غزة، عبر تويتر، قائلة، ان «أطفال غزة الأبرياء مثل الأزهار من يحق له أن يقتلهم». هذا الى جانب مجموعة من المواقف المتضامنة مع أهل غزة وما يتعرضون له من وحشية، كانت من كل من المغنية ريهانا التي دعت للصلاة من اجل السلام، كما كانت هناك مواقف لكل من واني لينكس وجون لجنيد، الذين نادوا جميعاً بوقفِ إطلاق النار ودعوا للصلاة من أجل غزة، في حين أعرب المطرب زين مالك من فرقة «وان دايركشن» البريطانية عن موقفه بعبارة «حرروا فلسطين».

ولم يكن مستغرباً كذلك أن تعبر الممثلة الأمريكية الشهيرة أنجلينا جولي عن تضامنها مع الشعب الفلسطيني، وإدانتها للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة. في تغريدة على موقع التواصل الاجتماعي انستجرام، كتبت الممثلة والمبعوثة السابقة لوكالة الأمم المتحدة للاجئين: «هذا هو القصف المتعمد للسكان المحاصرين الذين ليس لديهم مكان يفرون إليه. لقد كانت غزة بمثابة سجن مفتوح منذ ما يقرب من عقدين من الزمن، وتتحول بسرعة إلى مقبرة جماعية». وتابعت: «40 بالمئة من القتلى أطفال أبرياء. عائلات بأكملها تُقتل. وبينما يراقب العالم وبدعم نشط من العديد من الحكومات، يتعرض ملايين المدنيين الفلسطينيين - الأطفال والنساء والأسر - للعقاب الجماعي وتجريدهم من إنسانيتهم، كل ذلك بينما يُحرمون من الغذاء والدواء والمساعدات الإنسانية بما يتعارض مع القانون الدولي». واختتمت جولي كلامها قائلة: "برفض المطالبة بوقف إطلاق النار لأسباب إنسانية، ومنع مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة من فرض ذلك على الطرفين، فإن زعماء العالم متواطئون في هذه الجرائم».

وما دمنا نتحدث عن الفن، فإن من الضروري أن نشير إلى الأغنية السويدية تحيا فلسطين التي انتشرت عبر الفضاء الالكتروني عن دعم فلسطين وحريتها، والتي اجتاحت المظاهرات الداعمة للحق الفلسطيني المسلوب. فقد راجت أغنية «تحيا فلسطين أو تعيش فلسطين» (Leve Palestina) لفرقة «الكوفية» السويدية، بشكل واسع وسط الاحتجاجات المطالبة بإنهاء القصف الإسرائيلي لغزة حول العالم. واستخدم المتظاهرون في دول عدة منها السويد والمملكة المتحدة والولايات المتحدة الأغنية، للتعبير عن تضامنهم مع الفلسطينيين، ورفضاً للقصف الإسرائيلي لغزة. وقد وجدت الأغنية، على الرغم من أن كلماتها باللغة السويدية، صدى كبيراً لدى مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي، على وجه الخصوص «تيك توك»، في جميع أنحاء العالم للتعبير عن دعمهم لفلسطين. وأطلقت فرقة "الكوفية" السويدية العربية، أغنية (Leve Palestina)، في عام 1976م، إلا أنها عادت للظهور بقوة وسط الاحتجاجات المطالبة بوقف إطلاق النار على غزة في الدول الغربية، ولاسيما في السويد.

وكتب كلمات الأغنية جورج توتاري، مؤسس فرقة «الكوفية»، وهو فلسطيني من مدينة الناصرة، هاجر إلى السويد خلال ما يعرف بـ «النكسة» عام 1967، وكانت الفرقة تتألف من 12 شخصاً، جميعهم من جنسيات مختلفة، وكان جورج توتاري الوحيد الذي يحمل الجنسية الفلسطينية. وقد صدرت الأغنية للمرة الأولى ضمن ألبوم غنائي يحمل عنوان «أرض وطني» عام 1978م، وهو الألبوم الثاني لفرقة الكوفية. واتهمت الأغنية بمعادة السامية لأنها تتضمن عبارة "تحيا فلسطين وتسقط الصهيونية"، حتى أن البرلمان السويدي عقد جلسة لمناقشة مضمونها بعد أن غناها متظاهرون من شباب الحزب الاشتراكي السويدي في يوم العمال العالمي عام 2019م. ووصف رئيس الوزراء السويدي ستيفان لوفين أعضاء حزبه آنذاك بأنهم معادون للسامية بسبب غنائهم كلمات معادية للصهيونية ودعا إلى حظر الأغنية. ويؤكد الانتشار الواسع النطاق للأغنية عبر مواقع التواصل الاجتماعي على قوة الموسيقى في توحيد الشعوب المختلفة ثقافياً ولغوياً.

وعلى المستوى الرسمي، تجدر الإشارة إلى الموقف الشجاع للأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو جوتيرش، وتصريحاته ومواقفه، والتي أدت إلى أن تصب إسرائيل جم غضبها عليه. ولا يفوتنا كذلك أن نشير إلى تصريحات وزيرة الحقوق الاجتماعية إيوني بيلارا، والتي طالبت فيها الحكومة الإسبانية بملاحقة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو في جرائم حرب أمام المحكمة الجنائية الدولية، إزاء محاولة الإبادة الجماعية التي تشنها دولة إسرائيل في غزة. وبدوره، وصف وزير حماية المستهلكين ألبرتو غارزون القصف الإسرائيلي لغزة بأنه «همجية محضة». وقد استدعت هذه التصريحات حدوث سجال حاد بين السفارة الإسرائيلية لدى مدريد، والحكومة الإسبانية، حيث نشرت السفارة يوم الاثنين الموافق السادس عشر من شهر أكتوبر 2023م بياناً على منصة «إكس» (تويتر سابقا): «ندعو رئيس الحكومة بيدرو سانشيز إلى أن يندد ويدين بشكل لا لبس فيه هذه التصريحات المخزية».

واعتبرت السفارة في بيانها أن التصريحات التي أدلى بها أعضاء في الحكومة، «ليست فحسب غير أخلاقية على الإطلاق، وإنما تعرض أيضا الجاليات اليهودية في إسبانيا للخطر»، مشيرة إلى أنها تزيد مخاطر تعرض هذه الجاليات لـما أسمته «حوادث وهجمات معادية للسامية». وبعد بضع دقائق، ردت الحكومة الإسبانية مؤكدة أنها ترفض بشكل قاطع مجافاة الحقيقة في بيان السفارة الإسرائيلية فيما يتعلق ببعض أعضائها ولا تقبل تلميحات إليهم لا أساس لها من الصحة. وتابعت الحكومة: «في ديمقراطية كاملة على غرار إسبانيا، يمكن لأي مسؤول سياسي أن يعبر بحرية عن مواقفه بصفته ممثلاً لحزب سياسي».

وعلى إثر حدوث عملية طوفان الأقصى، أعلن المفوض الأوربي، أوليفر فارهيلي، وقف المساعدات التنموية للفلسطينيين. وبمجر الإعلان عن قرار الاتحاد الأوربي وقف المساعدات، شككت إيرلندا بشرعية القرار. وقال متحدث باسم وزارة الخارجية الإيرلندية «ما فهمناه هو أنه لا أسس قانونية لقرار أحادي من هذا النوع اتخذه مفوض واحد، ونحن لا نؤيد تعليق المساعدات". وتابع المتحدث "نحن نطلب رسميا من المفوضية أن توضح الأسس القانونية لهذا الإعلان». ومن جهته، أكد وزير خارجية لوكسمبورغ بالوكالة جان أسيلبورن أن حكومته لم تؤيد تعليق المساعدات.

وقال في تصريح لوكالة الأنباء الفرنسية إن «مليوني شخص يعيشون في غزة. وهم أيضا رهائن لدى حماس. بهذه الأساليب نحن ندفع بهم إلى أيدي إرهابيين». وتابع «نحن أكبر جهة مانحة لغزة. هذه المساعدة مهمة للشبان. هذه الأموال ليست لحماس إنها لسكان غزة». وبدورها، أعلنت وزارة الخارجية الإسبانية أن الوزير خوسيه مانويل ألباريس اتصل بالمفوض الأوروبي أوليفر فارهيلي للاحتجاج على القرار الذي قال إنه يجب أن يناقش في المقام الأول مع الدول الأعضاء.

كذلك، وفي الدولة التي تحتضن مقر الاتحاد الأوربي، أفادت صحيفة (De Standaard)، بأن نائبة رئيس الوزراء في بلجيكا، بيترا دي سوتر، دعت إلى فرض عقوبات على إسرائيل بسبب تصرفاتها في قطاع غزة. وقالت دي سوتر، التي تشغل كذلك منصب وزيرة الخدمة المدنية والمؤسسات العامة في بلادها: «لا يمكننا أن نقف مكتوفي الأيدي بينما يقتل الأطفال كل يوم في غزة». ودعت المسؤولة البلجيكية إلى التعليق الفوري لاتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل. وشددت بيترا دي سوتر، على ضرورة فرض حظر على استيراد منتجات المستوطنات من الأراضي الفلسطينية المحتلة.

وأضافت أنه يجب التحقيق في قصف المستشفيات ومخيمات اللاجئين في القطاع الفلسطيني.

وأكدت كذلك على ضرورة منع المستوطنين الإسرائيليين العدوانيين والسياسيين والعسكريين المذنبين بارتكاب جرائم حرب من دخول بلجيكا.

ولم تكتف دول أمريكا اللاتينية بالتصريحات المنددة للعدوان الإسرائيلي، وإنما قامت ببعض الإجراءات والتدابير والمواقف العملية الأكثر حدة. ففي أول شهر نوفمبر 2023م، أعلنت بوليفيا قطع علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل، فيما استدعت كل من تشيلي وكولومبيا سفيريهما من إسرائيل احتجاجا على هجومها المتواصل على غزة، الذي أدى إلى مقتل ما لا يقل عن 8500 فلسطينيا، معظمهم من الأطفال والنساء.

ونددت الدول الثلاث الواقعة في أميركا اللاتينية بالهجمات الإسرائيلية على قطاع غزة وأدانت مقتل المواطنين الفلسطينيين. وهذه ليست المرة الأولى التي تتخذ فيها بوليفيا مثل هذه الخطوة، إذ سبق أن قطعت علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل عام 2009، في ظل حكومة الرئيس اليساري إيفو موراليس، أيضاً احتجاجاً على هجماتها على قطاع غزة.

ودعت دول أخرى في أمريكا اللاتينية، من بينها البرازيل والمكسيك، إلى وقف إطلاق النار، وقال الرئيس البرازيلي، لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، إنّ «ما يحدث الآن هو جنون من رئيس وزراء إسرائيل الذي يريد محو قطاع غزة».

وأضاف دا سيلفا «أن ترتكب حماس عملاً إرهابياً ضد إسرائيل لا يعني أن على إسرائيل أن تقتل ملايين الأبرياء». كما أدانت فنزويلا جرائم الإبادة الجماعية التي ترتكبها القوات الإسرائيلية بحق الفلسطينيين في قطاع غزة، وجددت دعوتها للتوصل إلى وقف فوريٍ لإطلاق النار، والبحث عن حلولٍ فوريةٍ استناداً لقرارات الأمم المتحدة من أجل إحلال السلام.

ويرى البعض أن المواقف الصادرة عن دول أمريكا اللاتينية دعماً للحق الفلسطيني تجد أساسها وتفسيرها في أن شعوب أمريكا اللاتينية ممزوجةٌ من شعوبٍ أصليةٍ وشعوب مهاجرين، وكلاهما تعرّض لحروبٍ استعماريةٍ أو حروبٍ أهليةٍ أو اضطهاد، كما أنّ دول أمريكا اللاتينية بشكل عام متعاطفة مع كل القضايا الإنسانية.

بينما يرى البعض الآخر أن كل هذه الدول تحكمها حكوماتٌ يساريةٌ نجحت في الانتخابات الأخيرة، وغني عن البيان أن اليسار العالميّ أصبح ذا موقفٍ قويٍ متعاطفٍ ومؤيدٍ للحق الفلسطيني.

وبينما صعدت أحزاب يمينيةٌ مؤخراً في أوروبا، صعدت أخرى يساريةٌ في أمريكا اللاتينية.

وعلى الرغم من أنّ إسرائيل نجحت على مدار فترة ليست بالقصيرة في تسويق مزاعمها بين اليسار العالمي - حين حكمتها أحزابٌ يسارية مثل حزب العمل – وكان اليسار متعاطفًا مع قضية اليهود باعتبارها قضية تحرر، إلا أنّ الأمر قد تبدل الآن.

إذ انحرفت إسرائيل نحو حكوماتٍ يمينيةٍ متطرفة، وأصبح اليسار العالمي الجديد ينظر إليها باعتبارها جزء من ظاهرة الاستعمار، الذي تراه أمريكا اللاتينية سبباً في إفقار واضطهاد شعوب العالم الثالث والسكان الأصليين.

وبوجه عام، تمثل قضية استعادة السكان الأصليين لحقوقهم أساساً في الفكر اليساري، لأنّ الشعوب الأصلية في دول أمريكا اللاتينية تعرضت لمحاولات الإبادة، وهذا يتشابه بدرجة ما مع القضية الفلسطينية.

وإدراكاً لأهمية هذه المواقف التي تأتي من شعوب ومجتمعات غير مسلمة، على صفحته الشخصية بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، وفي يوم الأربعاء الموافق الثامن من شهر نوفمبر 2023م، كتب الأستاذ الدكتور محمود سليمان كبيش، أستاذ القانون الجنائي بكلية الحقوق جامعة القاهرة وعميد الكلية الأسبق، قائلاً: «الأثر الذي يحدثه في الرأي العام العالمي حديث يهودي واحد في الإعلام متعاطف مع الشعب الفلسطيني أفضل ألف مرة من أثر اجتماعات العرب وما تسفر عنه».

وهكذا، ورغم المواقف المشينة التي انزلقت إليها حكومات الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا وألمانيا، من خلال دعمها المطلق لما تطلق عليه زوراً وبهتاناً حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، والتأييد الأعمى للعدو الصهيوني في كل ما يرتكبه من مجازر، فإن إيماننا ثابت بأن الخير ما يزال موجوداً في هذا العالم.

والصراع بين قوى الخير وقوى الشر قائم منذ بداية الخليقة وإلى أن تقوم الساعة.

ولن نسمح لقوى الشر أن تفقدنا ثقتنا في شروق شمس الإنسانية.

ومشكلة الصراع في الشرق الأوسط، ليست كما يصر البعض على تصويرها بأنها صراع ديني بين المسلمين واليهود.

إن المشكلة هي في الحركة الصهيونية واستغلال بريطانيا وأمريكا لها في تحقيق مصالحهما الإمبريالية الاستعمارية في الشرق الأوسط. ليست لنا مشكلة مع اليهود، وإنما المشكلة هي مع الحركة الصهيونية العالمية.