د. يوسف عامر يكتب.. السادس من أكتوبر

كتب: الوطن

د. يوسف عامر يكتب.. السادس من أكتوبر

د. يوسف عامر يكتب.. السادس من أكتوبر

تمرُّ الأيامُ وتتجدَّدُ خلالَها ذكرياتٌ عطرةٌ تتجدَّدُ معها في النفوسِ مشاعرُ راقيةٌ تكتملُ بها الإنسانيةُ الراقيةُ، ومِن هذه الذكرياتِ ذكرَى السادسِ من أكتوبرَ [العاشرِ من رمضانَ] التي تُعمّقُ في وِجدانِنا وتجدّدُ في نفوسِنَا فطرةَ حبِّ الوطنِ.

ووسطَ زحمةِ الحياةِ وما فيها من زخْمٍ شديدٍ لا بدَّ مِن إحياءِ هذه الذكرَى الوطنيةِ الغاليةِ، وتجديدِ التذكيرِ بها دائمًا، ليسَ فقط لأنَّها تُحيي في النفوسِ معنى الوطنيةِ وحبَّ الوطنِ والذَّودَ عنهُ وفداءهُ بالنفسِ، وإنما أيضًا لأنَّها تُحيي في النفوسِ معانيَ إيمانيةً جليلةً؛ فالمؤمنُ باللهِ عزَّ وجلَّ لا يعرفُ اليأسَ في سبيلِ الدفاعِ عن الحقِّ والنفسِ والعِرضِ والأرضِ، والمؤمنُ باللهِ عز وجل لا يُقْدمُ على أمرٍ دونَ رَويَّةٍ وتفكيرٍ وتخطيطٍ وتدبيرٍ، والمؤمنُ باللهِ عز وجل لا بدَّ من أنْ يلتمسَ الأسبابَ قدرَ استطاعتِهِ، والمؤمنُ باللهِ عز وجل يَعلمُ أنَّ الخيرَ من اللهِ تعالى وبيده، وأنَّ نَصْره إنِ انتصرَ فضلٌ مِن الله تعالى، وهذه المعاني رأينَاها حيَّةً في حربِ أكتوبرَ في التخطيطِ الدقيقِ والتحركِ المنظمِ الجادِّ، والصدقِ في الحرصِ على النصرِ أوِ الشهادة، وهذا المعنى يُميّزُ المدافعَ عن الحقِّ، ولا يُتصوّرُ أنْ يُوجدَ هذا المعنى في مُعتدٍ على وطنٍ أو محتلٍّ لأرضِ! وقدِ اكتملتْ هذه المعاني الإيمانيةُ بصيحاتِ التكبيرِ التي أعلنْتِ الإيمانَ باللهِ تعالى، والاستنصارَ بهِ سبحانه!

هذه المعاني في نفسِها تستحقُّ أنْ يُذكّرَ بها دائمًا حتى تحيَا في النفوس، والتذكيرُ بمثلِ هذه المعاني داخلٌ في عمومِ قولِ الله تعالى: {وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ} [إبراهيم: 5]، فأيامُ اللهِ تعالى تشملُ الأيامَ التي كانتْ فيها وقائعُ عظيمةٌ اندحَرَ فيها ظالمون، وانتصرَ فيها مؤمنون!

وهذا التذكيرُ جاءَ في القرآنِ الكريمِ أمرًا لرسولٍ كريمٍ هو سيدُنا مُوسَى عليه السلام، قال تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} [إبراهيم: 5]، وقد اشتملت الآيةُ الكريمةُ على أمريْنِ موجهيْنِ لسيدِنا موسى عليه السلام هما أن يُخرجَ قومَهُ من الظلماتِ إلى النور، والثاني أن يُذكّرَهم بأيامِ اللهِ تعالى، وعطفُ التذكيرِ على الإخراجِ يدلُّ على أنه لا بدَّ مِن الأمريْنِ جميعًا لإصلاحِ النفوسِ والارتقاءِ بها وتهذيبِها.

أضفْ إلى هذا أنَّ التذكيرَ هنا مهمةٌ جليلةٌ من مهامِّ رُسلِ اللهِ الكرام عليهم السلام، وهذا يدلُّ أيضًا على أهميةِ التذكيرِ بأيامِ اللهِ تعالى؛ لأنه يحيي في النفوسِ معانيَ الإيمانِ مصحوبةً بأدلةٍ واقعيةٍ تدللُ عليها وتُثبّتُها في النفوسِ والقلوبِ، فالتذكيرُ بها أوقعُ في النفوسِ وأشدُّ أثرًا فيها من الكلامِ المجرّدِ الذي قد لا يُؤثّرُ في كلِّ النفوسِ تأثيرَ الوقائعِ الملموسةِ والأيامِ المعيشةِ.

وستبقَى هذه الذكرَى العطرةُ -بمَا حملتْهُ في طيَّاتِها المباركَةِ مِن فداءٍ وتضحياتٍ- تذكيرًا للمصريينَ بقوةِ الإرادةِ المؤمنةِ التي استطاعتْ تحقيقَ ما كانَ يراهُ البعضُ شبيهًا بالمستحيلِ! فكانتْ –وستظلُّ إنْ شاءَ اللهُ تعالى- نقطةً للتحولِ في نفوسِ المصريينَ كلِّهم، وفي تاريخِهِم، نقطةً تبعثُ في نفوسِ كلِّ جيلٍ الإيمانَ الصحيحَ باللهِ تعالى، والثقةَ في النفسِ، والقدرةَ على التقدّمِ، والإرادةَ المؤمنةَ الجادَّةَ.

 


مواضيع متعلقة