أحمد بهجت يكتب: الله.. الوطن.. الشرف

كتب: الوطن

أحمد بهجت يكتب: الله.. الوطن.. الشرف

أحمد بهجت يكتب: الله.. الوطن.. الشرف

أحياناً يحس الإنسان أنه يواجه موقفاً لا يستطيع التعبير عنه بأى كلمات..

تبدو الكلمات هنا ظلماً للمشاعر، فهى لن تعبر عنها مهما حاولت، ولن ترتفع لمستوى الموقف مهما جاهدت..

أعيش كمصرى هذه اللحظات الآن..

ماذا يمكن أن يقال عن بدء حرب تحرير سيناء؟

إن حركة الجيش المصرى نحو سيناء لم تكن مجرد عبور لمانع مائى من أجل تحرير أرض محتلة.. لقد غسل الجيش المصرى وجه مصر بعبوره، وأعاد للوجه الجليل المهيب شرفه.

أعترف أننى لا أفهم كثيراً فى السياسة، كما أعترف أن معلوماتى العسكرية لا تزيد عن قراءة مذكرات القادة العسكريين، غير أن ما أعرفه جيداً أن حركة الجيش المصرى نحو سيناء قد أذابت فى روحى، كما أذابت فى أرواح الملايين، هماً غامضاً كئيباً كان يسجننا جميعاً.. بعدها بدأت مراسم التطهير المقدس.

ولقد أوشكت أن أعتقد أن سيناء لم تعد بعد أسرها جزءاً من التراب المصرى، إنما صارت عضواً يدق فى صدر مصر، جوار القلب.. عضواً يدق دقات متتالية فاجعة ويغذى الجسد كله بدفعات من الألم الهادئ، الذى يجعل الحياة تفقد مذاقها، ويتساوى فيها النجاح والفشل كما يتساوى فيها الحب والكراهية.. ولهذا السبب أحسست أن الجيش لم يكن يحرر سيناء، إنما كان يحررنا نحن من الأحزان والكآبة وهذا الشعور الخانق بالعار، وهذا الخوف من حكم الأجيال المقبلة.. لم تكد أنباء القتال تبدأ حتى تغير طعم الأشياء حولنا فجأة.. تحطمت أسطورة الجيش الإسرائيلى الذى لا يُهزم ولا يُطال.

تحطمت أسطورة الشعب المصرى المغلوب على أمره.. المستسلم لأحزانه..

تحطمت أساطير كثيرة جاهد العدو ليغرسها فى نفوسنا.. محاولاً أن يصل بنا إلى الشاطئ الآخر من اليأس.. ومن المدهش أن المعجزة قد وقعت بعد انتهاء زمن المعجزات، وأخذت شكل المعجزات التقليدى، بمعنى أنها وُلدت فى اللحظات التى كان اليأس فيها يكاد يعتلى عرشه.

ومن قلب اللامبالاة والجمود الصامت.. انبعث الأمل فجأة.. وارتدّت الموجة تزخر بالصحة والحماس والإيمان.. واكتسحت الموجة أمامها كل المستحيلات.

ومن المعروف أن المعجزات لا تقع للنائمين، ولا تصل آثارها للكسالى، إنما تقع المعجزة حين تقع، بعد أن يقدّم الناس فكرهم ودماءهم وأموالهم كثمن مبدئى.. بعدها تقع المعجزة.

ولقد كانت أول كلمة ترتفع فوق سيناء والعلم المصرى يعود إليها كلمة تقول «الله أكبر»، وهكذا قاتل الإيمان مع جنود مصر، كما قاتل معهم العلم والشجاعة، بعدما انهزم المستحيل وتبدّدت الأسطورة، وعادت رايات النصر واليقظة، ولا تحسب أننا نبالغ لو قلنا إن بعث الإنسان والوطن قد بدأ بحركة تحرير سيناء ورد الاعتداء..

إن الإيمان بالله قد أعاد إلينا الوطن والشرف.

حمداً لله كما ينبغى لجلال وجهه وعظيم سلطانه..

وشكراً للأمة العظيمة التى استطاعت، رغم قسوة الظروف، أن تصنع قائداً له حكمة أنور السادات وله جوهره.. أما ضباط الجيش وجنوده فليس لدينا شكر نسوقه لهم.. إنهم فى نهاية الأمر أرواحنا التى تحارب من أجلنا.. وهم أعز علينا الآن من الروح وأغلى.

«الأهرام» - 12 أكتوبر 1973


مواضيع متعلقة