نشرة التاسعة و«فاشونيستا» متعثرة وكيمياء زويل
حنين جارف إلى زمن «نشرة التاسعة» وقت كانت المصدر شبه الوحيد للأخبار. صحيح كان بيننا من يبحث عن أخبار بديلة أو أكثر تنوعاً أو اختلافاً فى محطات إذاعية موجهة أو عالمية، لكن مصادر الأخبار لم تكن بهذا التعدد الوحشى. نعم وحشى، لأنه لفرط تعدده يُشعرنا أن نصف سكان الكوكب صُناع المحتوى الخبرى، والنصف الآخر يرد على محتوى النصف الأول.
أصوات الفيديوهات «الخبرية» التى تطل علينا من كل فج عميق تدفعنى نحو الجنون أحياناً. لم أعد أتحملها. فلانة تقول عن نفسها إنها صحافية فنية وناقدة أدبية تخصص فيديوهاتها للرد على أعمدة النقد الفنى وأخبار الفنانين وسر ظهور فلانة فى عزاء علان وعدم ظهورها فى جنازة آخر.
عشرات الشباب والشابات يمضون ساعات يومهم فى عمل فيديوهات تعليقاً على إشاعات أو إعادة تدوير لتحليلات وردت على أخبار أو تحضير أكلات مسروقة من فيديوهات أجنبية أو كيف نرتدى قميصاً وندفسه فى البنطلون أو من أين نشترى البالة أو كيف نجهز فنجان القهوة.
يبدو أننا انتقلنا من مرحلة الإعجاب والاندهاش بقدرة أدوات السوشيال ميديا التمكينية للمساعدة على الإبداع والابتكار وتوليد الأفكار وتوسيع المعارف والمدارك إلى قدرتها على سرقة الإبداع واستنساخ الابتكار وإعادة تدوير الأفكار التى خرج بها آخرون وإعطاء «نيولوك» لما اكتسبه آخرون من معارف ومدارك وتقديمها على السوشيال ميديا باعتبارها بنات أفكارنا.
لاحظت أن نسبة معتبرة من خريجات كليات إعلام خاصة أصبحن «فاشونيستا» أو مشروعات فاشونيستا متعثرة ربما بسبب كثرة أعدادهن، بالإضافة إلى المحتوى المكرر لحد الاستنساخ الذى يقدمنه.
وأضيف فى هذه المناسبة أن نسبة معتبرة أيضاً من هؤلاء الطالبات، وبالطبع الطلاب، كانوا يفتخرون طيلة دراستهم الجامعية بأنهم لم يقرأوا صحيفة أو يطلعوا على موقع خبرى يوماً!
يوماً ما سنعيد ضبط تفاصيل حياتنا، لأنه فى النهاية لن يصح إلا الصحيح. ويوم الخميس أطل علينا محرك البحث «جوجل» بواحد من أبدع الـ«دودلز» التى أبدعها فريق «جوجل».
فى مناسبة اليوم العالمى للمعلم، خرج شعار «جوجل» عبارة عن حروف «جوجل» وهى تقرأ وبينما تقرأ تورف أوراقها، فى حين وقف حرف الـ«إل» على هيئة شمس (هى المعلم) مبتسمة تروى ما تحتها فتزيد الأوراق ويخرج المزيد من الحروف.
المعلم مفتاح النجاح وكلمة السر وطوق النجاة -أو العكس- فى أى مجتمع، لا فى العملية التعليمية فقط. المعلم المتطرف دينياً يُخرج تلاميذ متطرفين من تحت يده، والمتنور ينقل تنويره لهم. والمنضبط أخلاقياً، أو العكس، ينقل لطلابه منظومته السلوكية. وكذلك الحال بالنسبة للمعلم الذى يهتم بحسن مظهره ونظافته الشخصية أو العكس وهلم جرا.
وأضيف إلى كل ذلك أن مهنة التعليم ينبغى ألا تكون مهنة من لا مهنة لهم، أو العمل المناسب للمدام التى تزوجت وتبحث عن عمل يتيح لها إجازة صيفية أربعة أشهر ودروساً خصوصية فى بيتها، أو وسيلة لـ«تربية زبون» يمكّن أحدهم من ضمان نجاح السنتر الجديد.
وتخبرنا منظمة «يونيسكو» أن اليوم العالمى للمعلم هو إحياء لذكرى توقيع المنظمة ومنظمة العمل الدولية عام 1966 توصية خاصة بأوضاع المعلمين، وذلك من حيث حقوقهم ومسئولياتهم وإعدادهم وتدريبهم وأوضاع التعليم والتعلم.
والحقيقة أن الدول تبذل جهوداً ضارية فى السنوات التسع الأخيرة للعمل على إصلاح منظومة المعلمين. البعض يعتقد أن المشكلة الوحيدة للمعلمين هى تدنى الأجور، وهى مشكلة حقيقية فعلاً، لكنها ليست الوحيدة.
وفك التشابكات المؤسفة التى لحقت بهذه المهنة على مدار عقود والتى جعلت جزءاً منها يتحول إلى تجارة ودروس خصوصية وسناتر مع تفريغها بالكامل من مكون التربية، بالإضافة للخلط بين مفهومى التربية على الأخلاق والصح والخطأ، ومفهوم تقويم العبادات لدى التلاميذ، سيحتاج المزيد من الجهد والعمل، وهو ما تحاول وزارة التربية والتعليم والتعليم الفنى عمله قدر المستطاع.
والتعليم الجيد -والمعلم الجيد فى القلب منه- لا يضخ خريجين يحملون درجات الامتياز ويحرزون درجات 104 فى المائة بالضرورة، بل ينجم عنه أشخاص أسوياء معتدلون فكرياً متنورون ذهنياً لديهم القدرة على البحث والتفكير لأنفسهم واختيار المهن والبحث عن الوظائف التى من شأنها أن تصنع الفرق فى المجتمعات، لا تضمن شيكاً بـ150 دولاراً لأنى أصور نفسى وأنا أستيقظ من النوم أو وأنا أغسل أسنانى وأجعل من أفراد أسرتى كومبارسات فى يوميات سخيفة.
التعليم الجيد قادر على أن يؤدى إلى جوائز نوبل فى العلوم، وليس فى الآداب والسلام فقط. وفى هذه المناسبة أشير إلى أن الأكاديمية الملكية السويدية للعلوم غردت قبل دقائق من إعلانها أسماء الفائزين بجائزة نوبل فى الكيمياء لهذا العام بالكلمات التالية: «أحمد زويل، مؤسس كيمياء الفيمتو، طوّر طرقاً لدراسة التفاعلات الكيميائية بالتفصيل. حصل زويل على جائزة الكيمياء لعام 1999 عن أبحاثه التى استخدم فيها التحليل الطيفى بالفيمتو ثانية». يحيا العلم!