العبور العظيم
- العبور العظيم
- التليفزيون الفرنسى
- الوحدة الوطنية
- تلاحم الشعب
- العبور العظيم
- التليفزيون الفرنسى
- الوحدة الوطنية
- تلاحم الشعب
كنا نتبادل الحوار مع أصدقاء مصريين فى باريس ولم يخرج الحوار أبداً تقريباً عن تساؤلنا العام: متى سنعبر؟.. ويوم الخامس من أكتوبر عام ٧٣، كنا نطرح نفس التساؤل، وقال أحدنا: من يدرى، ربما بعد عام أو أكثر.!! ولم نكن نتصور أن العبور فى اليوم التالى، السادس من أكتوبر، فى ظهر هذا اليوم، دق جرس التليفون فى مسكننا يطلب الحديث مع «على»، وسألت عن المتصل؟ فأجاب: إنه وكالة الأنباء الفرنسية.. دُهشت لأن زوجى الكاتب الراحل على الشوباشى كان يعمل بالوكالة ولكنه كان فى يوم عطلته، أى فى إجازة.. تابعت المكالمة على وجه «على» الذى كان يتبدل بين الاحمرار الشديد والاكفهرار المرعب، وهو يعلق أثناء المكالمة بإحدى كلمتين: أهكذا.. تمام.. وضع «على» السماعة وأنا أسأله.. ماذا بك؟.. احمر وجهه وطفرت الدموع من عينيه وهو ينطق بالكلمة الساحرة.. عبرنا..
يا إلهى.. لم أتفوه بكلمة واحدة، حيث انفجرت فى بكاء من نوع طاغٍ لم أستطع صده، و«على» يهرع ناحية باب الخروج من الشقة بعد استدعاء الوكالة له.. كانت لدينا ضيفة قالت لى: «انتى بتعيطى ليه، مش ده اليوم اللى كنتى بتستنيه؟».. لم أجد رداً على سؤالها، ولكنى هرعت إلى التليفزيون أتابع الحدث الجلل بالنسبة لى والذى بقيت فى انتظاره منذ مساء التاسع من يونيو عام ٦٧ عندما نزلنا إلى الشارع بعشرات الملايين وهزمنا الهزيمة التى كان الأعداء يتوهمونها نهاية الزعيم الخالد جمال عبدالناصر، وأخذوا فى الاحتفال الوقح والذى تحول إلى ذعر حقيقى لدى مشاهدة الإصرار الشعبى الجارف على رفض تنحى ناصر وبدء حرب الاستنزاف البطولية التى أرهقت إسرائيل إرهاقاً جعلهم يبكون وهم يشكون لمراسلى القنوات التليفزيونية الفرنسية من أن حرب الاستنزاف أصابتهم بالشلل.. ولم يتصوروا معجزة انهيار خط بارليف، الذى تصوروه سداً منيعاً فى وجه قنبلة نووية، بينما هزمه جندى مصرى عظيم هو اللواء باقى زكى يوسف الذى توصل بعبقرية مصرية صميمة إلى هدم خط بارليف بالماء.. كان يوماً حفرته بطولات جيشنا الباسل مع تأييده تأييداً لا لبس فيه من الشعب باستثناء خونة الأوطان الذين هزمناهم أيضاً.. شاهدنا فرحة الأمة العربية فى جميع العواصم بغض النظر عن موقف الحكام، حيث احتشد الملايين احتفالاً بلحظة عبور الجيش المصرى.
ومع مرور خمسين عاماً على الانتصار البطولى لجيشنا الباسل، ما زالت ذكرى هذا اليوم المجيد نابضة بذات الحرارة والفخر، رغم حملات التشكيك والتشويه المروعة والتى انتصرنا عليها بفضل الثقة فى قواتنا المسلحة والأصالة المصرية الصامدة فى مواجهة جميع المؤامرات والمخططات المعادية، كما أثبتت ثورة الثلاثين من يونيو المجيدة وكما شاورت قلوب الملايين على القائد الذى حمل رأسه على كفيه وهو يستجيب لنداء الجماهير: «إن موقفكم تفويض وأمر».. ولا شك أن ثورة يونيو كانت بدورها عبوراً معجزة، حيث كان أهل الشر شبه واثقين من تفتيت المحروسة التى ذكرها الله عز وجل فى القرآن الكريم وفى الإنجيل، وأقر علماء التاريخ بأنها فجر الضمير.. مصر أول دولة نادت بالتوحيد، وكل مواقفها فى شتى الظروف توضح أسباب مكانتها الرفيعة لدى الشعوب، ومنها على سبيل المثال لا الحصر الإسراع الشديد بمساعدة الشعب الليبى الشقيق على تجاوز أزمة الكارثة البيئية التى وقعت فى درنة، وذلك بالرغم من الظروف الصعبة التى يمر بها العالم، وبالطبع تمر بها مصر، وهو ما يشبه تقاسم كسرة الخبز ما بين الأشقاء.. إن العبور العظيم الذى انتصرنا فيه رغم كل حسابات ومخططات الأعداء، يتكرر فى صوره المختلفة، ويكفى النظر إلى مصر بعد تسع سنوات من قيادة الرئيس عبدالفتاح السيسى ليرى كل ذى عينين أين كنا وأين أصبحنا وكيف أصبحت سيناء الحبيبة بعد أن عادت فعلاً إلى أرض الوطن بعد عقود من سيطرة قوى التفتيت والهدم، وأمامنا فى الأفق الرحيب عبور ثم عبور يليه عبور وسنظل، بإذن الله وبفضل وحدتنا الوطنية، نعبر كل المصاعب والتحديات بالتحلى بروح السادس من أكتوبر على مر السنين.