أشرف مروان.. خنجر في قلب إسرائيل
يبدو أن ما قام به أشرف مروان من خداع لقادة إسرائيل ورجال أجهزتها الاستخباراتية قبل حرب أكتوبر 73 العظيمة سبَّب لهم حالة من عدم التصديق بأن هذا الرجل صنع فيهم ما صنع!
فى كل عام تخرج وثيقة مشوَّشة من دولة إسرائيل تحاول أن تنفى خداع «مروان» لهم، وتؤكد أنه كان عميلاً مزدوجاً قدم لهم خدمات عظيمة!
والحقيقة أنا لا أعرف أى خدمات يتحدث عنها القادة الإسرائيليون بعد تعرضهم لأكبر هزيمة عسكرية فى تاريخ دولتهم على يد قوات الجيش المصرى.. هذه الهزيمة التى يمر عليها هذا العام 50 عاماً.. ستحتفل بها مصر بمرور كل هذه السنوات على نصر أكتوبر العظيم.. بينما لا تزال دولة إسرائيل تبحث عن مبرر تخدع به شعبها بأنها لم تُهزم، ولم يتفوق عليهم الجندى المصرى بعتاده الضعيف ومعداته القديمة، على جيش منحته الولايات المتحدة الأمريكية كل ما يحتاجه، جيش تضمن تفوقه طوال الوقت فى معركة اعتقدوا أنها محسومة من قبل أن تبدأ!
فى فيلم «الملاك»، إنتاج منصة «نتفليكس» عام 2018.. والذى بالتأكيد وقف خلف إنتاجه جهات أمنية إسرائيلية بالاشتراك مع المنصة المشكوك فى مصداقية كل ما تقدمه من أعمال تاريخية وقصص حقيقية.. حاول صناع العمل طوال مدة الشريط السينمائى التأكيد على فكرة واحدة فقط ومحاصرة المشاهد بها.. وهى أن الهزيمة الكبيرة التى تعرض لها الجيش الإسرائيلى فى أكتوبر 73 ما هى إلا خدعة متفق عليها ليعم السلام المنطقة بعد سنوات من الحرب والصراع.
أعتقد أنها فكرة جديدة حاول وقتها مَن موَّلوا الفيلم أن يبحثوا عن مخرج جديد لهذه الهزيمة التاريخية.. ولأنهم يعلمون أهمية وتأثير الفن فى إيصال المعلومة قرروا أن يتبنّوا إنتاج هذا العمل المشوه عن سيرة البطل المصرى أشرف مروان.. ولكن يبدو أنهم شعروا بالفشل.. وشعروا أن المصريين هذا العام يستعدون للاحتفال بمرور 50 عاماً كاملة على نصر أكتوبر العظيم.. فقرروا أن يعاودوا فعلتهم فى محاولة لتشتيت انتباه شعبهم عن هزيمة أكتوبر برواية كاذبة جديدة عن أشرف مروان.. لعل شعبهم يقتنع أن ما حدث فى أكتوبر 73 لم يكن أكبر فضيحة عسكرية واستخباراتية لدولة إسرائيل فى تاريخها.
الزميلة والباحثة فى الشئون الإسرائيلية، الأميرة رشا يسرى، ذهبت لتحليل بسيط قد ينهى مسألة الجدل حول خداع أشرف مروان لجهاز الموساد الإسرائيلى ورئيسه الذى استدرجه مروان بعيداً عن تل أبيب ليعقد معه اجتماعاً فى لندن قبل ساعات قليلة من حرب أكتوبر، تحت ادّعاء أنه يمتلك معلومات لا يمكن أن يرسلها بالطرق المتعارف عليها.
وهو ما قالت عنه رئيسة الوزراء الإسرائيلية «جولدا مائير»، فى تحقيق لجنة «أجرانات»: أنا أريد أن أقول كلمة، أعترف بالخطأ الذى اقترفته فيما يخص هذا «المصدر». على مدار كل الأعوام لم أقُل ولا مرّة واحدة لرئيس الموساد: هل أنت تأمن له؟ هل أنت متأكد؟ أأنت تصدّقه؟ وبكونى لست مختصّة كنت طوال الوقت أعتقد ربما كان تضليلاً فى كثير من الأحداث.
وربما يكون أكثر التحليلات المنطقية التى أكدتها «الأميرة رشا»، لتكذّب الرواية الإسرائيلية الخاصة بأشرف مروان، هو منحه أكثر من خمسة أسماء حركية فى الوثائق المسربة.. فهناك وثيقة تقول إنه العميل «ملاك»، وأخرى تؤكد أنه العميل «بابل»، وثالثة تخبرنا بأنه العميل «الصهر»، ورابعة تقول إنه «حتوئيل».
كيف لرجل واحد أن يحمل كل هذه الأسماء؟!.. فهل لهذه الدرجة استطاع أشرف مروان أن يخدع كل هذه الأجهزة الأمنية داخل دولة إسرائيل ويطلق عليه كل جهاز اسماً مختلفاً عن الآخر؟!
ولكن الحقيقة المؤكدة أننا ونحن نستعد للاحتفال بخمسين عاماً على هذا النصر العظيم.. ستظل دولة العدو تبحث عن مبررات وتفبرك وثائق وتنتج أعمالاً درامية وسينمائية وتستأجر كُتّاباً لإصدار كتب تحاول فيها تأكيد مرويّتها لنفى هزيمتها فى أكتوبر 73.. ليبقى «أشرف مروان» أحد الخناجر التى وضعتها مصر فى قلب إسرائيل قبل نحرها على أرض سيناء الطاهرة.