مصر وأصل الحكاية منذ 100 عام

أحمد رفعت

أحمد رفعت

كاتب صحفي

كاتب هذه السطور من المؤمنين بنظرية المؤامرة.. ويجد فيها تفسيراً لبعض جوانب تاريخنا.. والمدهش أن بيننا من ينفى النظرية ويستبعد التآمر فى حين يعترف به أصحابه وينشرونه علناً.. وبين «مشروع الشرق الأوسط الجديد» و«خطة يوديد يعنون» بمركز القدس للدراسات أوائل الثمانينات، إلى «مخطط برنارد لويس»، تناول وتداول خطير لموضوعات خطرة.. ويبقى السؤال المهم: ما علاقة كل ذلك بمصر؟! والإجابة: مصر قلب هذه المخططات كلها.. ولكن السؤال الأهم: لماذا مصر قلب ذلك كله؟! هذا بعينه موضوع السطور التالية.. حيث جذور وبعض تفاصيل القصة كلها.. وفيها باختصار أن مفاتيح المنطقة فى يد مصر التى يتأثر محيطها العربى بها إيجاباً وسلباً.. إن اشتد عودها قوى من حولها.. وإن ضعفت أو انهارت ذهب محيطها كله معها.. ولذلك يوجد «فيتو» قديم ضد تقدم مصر وتطورها.. وأصحاب المخططات لن يقولوا عند اعتمادها وتنفيذها إنهم عدوانيون بل سيصدرون يافطات عريضة عن الديمقراطية وغيرها من شعارات تجد من يصدقها من هواة الاستغفال.. وتجارب التاريخ تقول إن الشعوب تلتف حول قياداتها عند التعرض للعدوان من الخارج.. والحل فى إفشال كل شىء بيد الشعب نفسه.. انتهى عصر الحروب المباشرة.. لكن وقبل شرح أو إعادة شرح شكل الحروب الجديدة دعونا نعرف جذور الحكاية كلها.. من بدايتها وحتى اليوم..

عام ١٩٠٥، انعقد فى لندن مؤتمر اشتهر باسم رئيس وزراء بريطانيا وقتها كامبل بنرمان.. كان الرجل رئيساً لحزب الأحرار، الحزب الثالث فى بريطانيا ومن المرات النادرة التى وصل فيها لرئاسة الحكومة.

قصة المؤتمر بسيطة للغاية لكن نتائجه معقدة للغاية أيضاً.. كانت المنطقة العربية تفور بتيار الاستقلال فى كل مكان.. الثورة العربية هناك فى الجزيرة العربية ممتدة إلى الأردن وبعض مناطق الشام.. قتال ومعارك وانتصارات وضحايا وانتهت بالفشل.. الأسباب عديدة لاشتعالها ولفشلها أيضاً.. لكن لهذا حديث آخر. ما يعنينا اليوم هو تزامن ذلك مع ظهور مصطفى كامل ومحمد فريد ورغم التباين فى منطلقاتهما مع البطل العظيم أحمد عرابى فإن كلاً منهما تعبير صادق عن الشوق الجارف للحرية وصولاً إلى سعد زغلول وانتهاء بتحقيق كل أحلام وآمال الاستقلال.. لكن تزامن ما حدث فى مصر تقريباً مع ما حدث هناك مع ما حدث فى بلاد عربية أخرى كحالة عمر المختار مثلاً وغيرها وغيرها..

لفت ذلك انتباه الدول الغربية التى قسّمت بلادنا كمستعمرات لها.. ومعها باقى بلدان العالم تقريباً.. لكن الانتفاضات الحقيقية هنا فى بلادنا ومن أجلها انعقد المؤتمر الذى كان موسعاً شمل البلاد الغربية المستعمرة وغيرها لمناقشة نقطة واحدة ووحيدة كانت جدول أعمال المؤتمر وهى: «كيف يبقى استعمارنا لتلك البلاد أطول فترة ممكنة»!

استمر المؤتمر لعامين كاملين.. لا يعنى ذلك بقاء الملوك ورؤساء الحكومات لعامين إنما لم يفض المؤتمر وبقيت دراسات واجتماعات العلماء والخبراء ممن سيقدمون للحكام مشورتهم على أن تنعقد القمة من آن لآخر.

انتهى المؤتمر وكانت توصياته هى أن الغرب ليس فى صدام مع حضارات العالم لا فى أمريكا الجنوبية ولا فى آسيا ولا فى أى مكان آخر غير المنطقة الممتدة من الخليج (الفارسى) إلى المحيط الأطلسى حيث يجمع شعوب هذه البلاد لغة واحدة وأديان واحدة ولهم ثقافة واحدة بينهم.. تاريخهم واحد.. يحتلون مناطق تتحكم فى العالم ويطلون على سواحل طويلة وبينهم روابط مشتركة ومعهم ستكون المواجهة الحقيقية لأن اتحادهم سيسبب منغصات ومشكلات.. ولكن إذا اضطررنا إلى مغادرة بلادهم تحت أى مبرر فعلينا أن نترك ما يعيدنا إلى هناك.. «تخلف» بحيث لا تتصل هذه الشعوب بأى تقدم لنا.. مشكلات حدودية إذا قسمنا هذه المناطق تسمح بتدخلنا فى المستقبل.. كيان يفصل المشرق العربى عن مغربه!!!

ومنذئذ - ١٩٠٧ - أى بعد انتهاء المؤتمر بدأت الخطة.. وعد بلفور. سايكس بيكو.. تأسيس البى بى سى الذراع الإعلامية لبريطانيا وهى الممثل الأصيل للاستعمار الغربى ودوله.. تأسيس جماعة الإخوان.. إعلان دولة إسرائيل!!!

ثم سبقوا ما قاله فيما بعد علمياً بالتفصيل المفكر والعالم الكبير الراحل الدكتور جمال حمدان الذى يقول فى كتابه المهم «استراتيجية الاستعمار والتحرير» ما يلى:

لاحظ مثلث القوة المحلى فى كل من المشرق والمغرب العربيين.. يضم المثلث فى المشرق كلاً من العراق وسوريا والسعودية.. أما فى المغرب فإنه يضم المغرب والجزائر وتونس. وبين الاثنين تبرز مصر باعتبارها قطب القوة الإقليمى الأساسى فى العالم العربى.. لاحظ أيضاً أن مصر بدورها تمثل أحد رؤوس مثلث القوة الإقليمى فى الشرق الأوسط الذى يضم إلى جانب مصر تركيا وإيران.. وهو ما وصف فى بعض الكتابات بالمثلث الذهبى. ولكن المدهش أن حمدان يقول فى موضع آخر عن مصر أيضاً: «أصبحت مفتاح العالم العربى.. إن سقطت سقط.. وإذا فتحت فتح.. ولذا كان الاستعمار يركز دائماً ضربته الأولى والقصوى على مصر.. ثم ما بعدها فسهل أمره.. وهو ما أدركته وفشلت فيه الصليبيات وتعلمه الاستعمار الحديث.. فكان وقوع مصر ١٨٨٢ بداية النهاية لاستقلال العالم العربى.. بينما جاء تحرر مصر الثورة بداية النهاية للاستعمار الغربى فى المنطقة بل وفى العالم الثالث جميعاً»!

هكذا قال مؤتمر كامبل بنرمان.. وهكذا توصل جمال حمدان.. ولهذا كانت جماعة الإخوان.. وقد وصفها الكاتب الفرنسى «تيرى ميسان» بأنها «رأس الحربة للاستعمار الغربى»! أى طليعة القوى التى تنفذ إلى اليوم مقررات المؤتمر القديمة.. القوى التى لا تريد لمصر أى تقدم.. ولذلك تجدها دائماً فى خلاف وصدام مع أى نظام وطنى يحكم مصر يحمل مشروعاً لنهضتها.. وفى حالة تتراوح بين التحالف إلى التوافق إلى عدم الصدام على الأقل مع أى نظام منسجم مع الغرب يحمل مشروعاً للبقاء فى السلطة دون أى مشاريع للتقدم وبناء دولة قوية!

القوى الأصيلة فى الموضوع توكل هذه الجماعة وقدراتها وأذرعها وذرائعها فى إفشال أو تعطيل مصر بأى ثمن.. شرط أن تكون مصر التى قصدها كامبل بنرمان وجمال حمدان..!!

هل وصلت؟!

أكيد عند البعض.. ربما عن البعض الآخر..!