تطبيقات «النصب» الإلكتروني

راجى عامر

راجى عامر

كاتب صحفي

(ما أعجب الدهر في تصرفه.. والدهر لا تنقضي عجائبه) كلمات لأحد شعراء العصر العباسي تجعلك تؤمن بأن الزمن قادر على مفاجئتنا في كل مرة نظن إننا قد تعلمنا دروس الماضي.ربما يعلم الجميع قصص الصعود والسقوط السريع لشركات توظيف الأموال في الثمانينات وإهدارها لمدخرات المصريين لكن المؤكد أن البعض لا يرغب في تعلم الدرس.

وبعيدًا عن الأخبار التي تظهر من آونة لأخرى عن قضية استيلاء أحد النصابين على أموال عدد من المواطنين بدعوى توظيفها إلا أن الملاحظ أن هؤلاء قد استفادوا من التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي في تطوير طرق الاستيلاء على الأموال، ففي الأيام الماضية انتشرت رسالة عبر تطبيق "واتس آب"، مرسلة من رقم خارج مصر، ومكتوبة باللغة الإنجليزية مفادها أن هذه الرسالة من شركة متخصصة في الدعاية والتسويق ولديها فرصة عمل لك، وتسألك عما إذا كنت مهتم باقتناص هذه الفرصة.

البعض تجاهل الرسالة بالطبع شكًا في أمرها ولكن آخرين تجاوبوا معها ظنًا منهم إنها لحظة السعادة المنتظرة.. والوظيفة المأمولة.. متجاهلين أبسط قواعد التوظيف وهي إما إنك قد تواصلت مع هذه الشركة مسبقًا وتركت لهم بياناتك سعيًا لوظيفة لديهم أو كونك خبير في مجال ما وهذه الشركة تخاطبك بإسمك وصفتك لتوظيفك.. والأهم أن تكون هذه الشركة موجودة بالفعل وليست كيان وهمي.

بعد أيام من وصول هذه الرسالة للعديد من الضحايا عبر "واتس آب" كتب بعض المستخدمين للمواقع الاجتماعية تجاربهم مع هذه الشركة المزعومة التي أغرتهم بالعمل لديها في وظيفة بسيطة وهي القيام بالضغط على لينكات لفيديوهات أو عمل "لايك" لـ "لينكات" سوف تُرسل لهم في مقابل مادي قد تتمكن من تحقيقه يقدر بالمئات من الجنيهات يوميًا.. وبعد قيامك بعدد من المهام وتحقيقك لمبلغ ضئيل يُقدر يعشرات الجنيهات تطلب الشركة بياناتك لتحويل هذا المبلغ، ويتم بالفعل التحويل على محفظتك الإلكترونية، مما يزيد الثقة بين الضحية وهذه الشركة الوهمية.

ولكن سرعان ما تطلب الشركة من ضحيتها أن يقوم بعمل إيداع بمثابة استثمار مع الشركة في مقابل نسب أرباح مرتفعة وإلا سوف يُمنع من المشاركة في العمل مما يجبر الراغب في الاستمرار على دفع هذا المبلغ وتحويله إلى محفظة إلكترونية تخص الشركة بمبلغ يبدأ من ثلاثمائة جنيه ويتزايد وتكتشف مع الوقت إنك غير قادر على سحب هذه الأموال التي أودعتها تحت مسمى الاستثمار.

البعض كتب عن خسارته عشرات الآلاف من الجنيهات مع هذه الشركة محذرًا من التعامل معها.. والبعض الآخر لا يزال يراوده الأمل في التمكن من سحب أمواله التي قام بإيداعها للشركة لذا يستمر في استثمار المزيد من أمواله معها.

هذا الكيان الوهمي يقدم نفسه عبر واتس آب بأسماء شركات مختلفة.. تختلف في الاسم لكنها تتفق في المضمون وهو استغلال أحلام بعض الشباب في الثراء السريع أو الكسب دون جهد.. ربما نكتشف لاحقًا أن هذا الكيان الوهمي، الذي استغل ساحات التواصل الاجتماعي بيئة خصبة لجريمته، ما هو إلا شاب يجلس أمام كمبيوتره في "جراج" منزله في قارة بعيدة عنا لكنه قرر أن يصنع هذه الخدعة للنصب الإلكتروني مما يجعل جرائم شركات التوظيف تتضاءل أمامه.