فرنسا في أفريقيا ووعي الذكاء الاصطناعي
رغم أن خبراء الطقس وعدونا أن يكون الأسبوع الأخير من شهر أغسطس أقل وطأة من حيث السخونة، ورغم تراجع الدرجات بحسب الثيرمومتر، فإن الأحداث الدائرة رحاها حولنا حرمتنا من الشعور بالتحسن النسبى.
فما كادت أحداث انقلاب النيجر تهدأ -لا تستقر- قليلاً، حتى باغتتنا أخبار انقلاب الجابون «الغنية بالنفط». أعلن عدد من ضباط الجيش إلغاء نتائج الانتخابات التى فاز فيها الرئيس على بونغو أونديما بفترة ولاية ثالثة، وحلوا مؤسسات الدولة، وأغلقوا حدود البلاد لحين إشعار آخر.
انقلاب الجابون «الغنية بالنفط»، يأتى بعد أسابيع قليلة من انقلاب النيجر «الغنية باليورانيوم». وقبل عامين، جرى انقلاب مماثل فى مالى «الغنية بالذهب واليورانيوم والفوسفات والحجر الجيرى والملح والجرانيت وأشياء أخرى». وقد شهدت دول أفريقية أخرى انقلابات متكررة على مدار السنوات القليلة الماضية، نجح بعضها وفشل البعض الآخر. وحيث إن الانقلابات معدية، فغالباً حين يحدث انقلاب فى دولة ما ويكلل بالنجاح، يتبعه انقلاب فى دولة مجاورة وهكذا، فإن دول العالم «المهتمة» بتلك الدول تبدى قلقها الذى يختلف فى درجة حدته بحسب درجة هذا الاهتمام، وقد يصل أحياناً إلى درجة التدخل العسكرى لوأد الانقلاب.
وتحدد درجة «الاهتمام» تلك عوامل عدة، لا تدخل العاطفة أو القلق الإنسانى على مواطنى الدولة موضوع الانقلاب، ضمنها. وتتراوح أسباب الاهتمام بين المصالح الاستراتيجية والعسكرية والسياسية ودائماً وأبداً وأولاً وأخيراً المصالح الاقتصادية.
ورغم أن العديد من الدول الأفريقية نالت استقلالها، وتخلصت «نظرياً» من الاستعمار قبل عقود، فإن أغلب هذه الدول استقل ولم يتحرر، وهو ما يجعلها على صفيح ساخن. منذ عام 2017، شهد الكوكب 17 انقلاباً، 16 منها فى أفريقيا. وكلما زادت درجة عدم التحرر، زادت درجة القلق الذى تبديه دول غربية، وزادت احتمالات تصعيد القلق لمراحل التدخل السياسى أو العسكرى المباشر أو بالوكالة. ويجب الإشارة إلى أن العديد من هذه الانقلابات -التى تزعزع دور المستعمر السابق وتقلب موازين القوى الكبرى المتصارعة على موارد وثروات هذه الدول- تحظى بتأييد من الشعوب، ولو من باب «أخف الضررين» ضرر الانقلاب ولا ضرر الاستعمار.
وإذا كانت النيجر سلمت -لحين إشعار آخر- من التدخل العسكرى عقب وقوع الانقلاب فيها، إلا أن الوضع فى الجابون يرشحها لتدخل ما سريع. فالجابون هى إحدى الرئات الاقتصادية والسياسية الرئيسية لفرنسا فى أفريقيا، ومنها تدير النزاعات والصراعات الأفريقية الإقليمية لصالح الدول الكبرى، بالإضافة بالطبع لأنها مصدر رئيسى للموارد الطبيعية رخيصة الكلفة، غالية وعالية القيمة.
وتجدر الإشارة إلى أن الدور الروسى إلى مزيد من التعاظم فى أفريقيا فى ظل ما يجرى. قوات «فاجنر» منتشرة فى أفريقيا. من مالى إلى موزمبيق، ومن السودان إلى ليبيا، ومن تشاد إلى بوركينا فاسو وجمهورية أفريقيا الوسطى وغيرها من الدول، ترتع قوات فاجنر فى أفريقيا.
واتضح من أحداث هذا الأسبوع أن السلطات الروسية اتخذت، منذ تمرد قائد فاغنر يفيغنى بريغوجين على روسيا فى يونيو الماضى، كل الخطوات اللازمة للسيطرة على «الشركة». فمن مراجعة كل المهام التى كان يقوم بها بريغوجين إلى إبعاد كل القريبين منه إلى تغيير كل القيادات، وأخيراً وليس آخراً، التحدث الروسى الرسمى عن «فاجنر» باعتبارها مندوباً أو ممثلاً للدولة الروسية، وليس «شركة عسكرية روسية خاصة»!
لذلك لا يتوقع أن يتأثر وجود المرتزقة -الذين صاروا قوات- فى أفريقيا، بل سيمضون قدماً فى القيام بالأدوار الموكلة إليهم، لا سيما فى منطقة الساحل فى وسط وغرب أفريقيا، وهو ما يضمن استمرار الضغط على نفوذ فرنسا.
نفوذ فرنسا فى القارة فى خطر شديد. والشجب والإدانة ومراقبة الأوضاع فى هذه الحالة لن يكفى على الأرجح. والدور الفرنسى فى القارة يهتز بعنف. والاهتزازات ستطال الجميع.
اهتزاز من نوع آخر، وتحديداً اهتزاز ذو نكهة نووية، جرى فى الكوريتين. كوريا الشمالية صباح الخميس أجرت محاكاة مرعبة. المحاكاة كانت على سيناريو وخطوات توجيه ضربات نووية لمواقع القيادة والمطارات لدى جارتها الجنوبية. الخطوة المرعبة لا تتعلق فقط بالجارة اللدود، ولكنها موجهة فى الأساس إلى أمريكا «العدو المزمن».
وجاءت المحاكاة، التى شملت إطلاق صاروخين بالستيين قصيرى المدى فى البحر، قبل يوم من انتهاء التدريبات الجوية المشتركة بين الدولتين الحليفتين أمريكا وكوريا الجنوبية.
فى تلك الأثناء، يتحدث علماء -أو بالأحرى يعكف علماء مخ وأعصاب- على مراقبة أداء الذكاء الاصطناعى عن قرب، وذلك لرصد أى أمارات أو إشارات قد تعكس أن الذكاء الاصطناعى يكتسب درجة من الوعى. وضع العلماء -التابعون لمؤسسة بحثية فى كاليفورنيا- 19 معياراً لقياس وعى الذكاء الاصطناعى.
أما المقصود بالوعى، فهو تجربة الوجود، أى معنى أن «تكون» شخصاً أو حيواناً أو نظاماً للذكاء الاصطناعى، هذا فى حال تبين وجود وعى لدى الأخير.