رئيس «آثار الأقصر»: نتسول رواتبنا بسبب «الركود»

رئيس «آثار الأقصر»: نتسول رواتبنا بسبب «الركود»
30 عاماً تقريباً قضاها الباحث والأثرى سلطان عيد بين جنبات المعابد والمناطق الأثرية فى الأقصر، حتى أصبح مُلمّاً بكل كبيرة وصغيرة فى تلك المواقع منذ أن عمل مساعد مفتش آثار إلى أن صار رئيساً لمنطقة آثار الأقصر العام الماضى، ليكون المسئول الأول عن أهم وأكبر منطقة أثرية تحوى ثلث آثار العالم.. يرى «عيد» أن مشكلة الآثار فى مصر لا تخص وزارة الآثار وحدها بل إنها مشكلة قومية يجب أن تتضافر جهود كل مؤسسات الدولة لحلها، مشيراً إلى أن عجز الموازنة والركود السياحى وأزمة المياه الجوفية التى تغرق الآثار هى أكبر المشاكل التى تواجه القطاع.. وإلى نص الحوار:
■ لماذا تُتَّهمون دائماً فى الوزارة وفى الأقصر تحديداً بالتقصير والإهمال؟
- لا يوجد مسئول لا يحب أن يكون ناجحاً، لكن فى وزارة الآثار هناك عقبات كبيرة تواجهنا، خصوصاً فى الأقصر حيث تنتشر الآثار فى كل مكان، وأهم تلك العقبات هى المشاكل المتعلقة بالبيئة حيث إن المياه الجوفية ومياه الصرف أغرقت الكثير من المناطق الأثرية، إضافة إلى مشاكل الامتداد السكانى الذى وصل إلى محاصرة المعابد فى «الطود والمدامود وكومير وأرمنت والرامسيوم»، بخلاف عدم وجود ميزانيات لوضع حلول جذرية لما تعانيه الكثير من المناطق الأثرية.
■ وما الحل إذن لهذه المشكلات؟
- مشكلة الآثار فى مصر تحتاج أولاً للصبر، ثم تكاتف كل جهود وزارات «الآثار والبيئة والثقافة والتنمية المحلية» من أجل الحفاظ على هذا التراث الإنسانى وحمايته، وهو ما نفتقده الآن، إضافة إلى ضرورة توعية المواطنين بأهمية هذا التراث.
■ كيف نواجه مشكلة مياه الصرف والمياه الجوفية التى أغرقت بعض المعابد؟
- مشكلة مياه الصرف والمياه الجوفية هى أكبر تحدٍّ يواجه القائمين على الآثار فى مصر، حيث إن كل أو معظم معابد مصر بُنيت تحت مستوى الأرض التى يعيش عليها المواطنون الآن، ومع بناء السد العالى أغرقت مياه الصرف والمياه الجوفية الكثير من المعابد، خصوصاً أن الكثير من القرى المجاورة للمعابد ليس بها مشاريع صرف صحى، ونجحنا خلال السنوات الماضية فى إقامة مشروع ضخم لخفض مستوى المياه الجوفية فى معبدى الأقصر والكرنك، وكانت هناك خطة لتعميم هذا المشروع على المناطق الأخرى، لكنه توقف بعد ثورة 25 يناير بسبب عدم وجود أموال فى خزينة الوزارة.
■ هل تترك الوزارة المعابد إذن عرضةً لمياه الصرف والمياه الجوفية وتكتفى بمشروع حماية معبدى الأقصر والكرنك؟
- فى الوزارة نسير على منهج مهم وهو أن نتعامل مع المواقع الأكثر أهمية والأكثر خطورة، وهى معبدا الكرنك والأقصر، ومن البديهى ألا نترك هذين المعبدين ونذهب لمعابد صغيرة، والوزارة أصبحت فقيرة جداً الآن خصوصاً مع انعدام حركة الزائرين مقارنة بما قبل ثورة يناير، حيث كنا نعتمد فى تلك المشاريع على التمويل الذاتى والآن خزائن الوزارة أصبحت خاوية، وصرنا نتسول مرتباتنا التى تقدر بنحو 58 مليون جنيه من وزارة المالية، بعد أن كان دخل الوزارة يتعدى المليار جنيه سنوياً، كانت تصرف على الرواتب وعلى المشاريع المفتوحة من شمال مصر إلى جنوبها، وأهمها «طريق الكباش والمتحف الكبير والقاهرة التاريخية».
■ هل هناك خطط لمنع سرقة الآثار؟
- منذ فترة بدأنا فى تنفيذ مشروع ضخم لحماية ومراقبة المناطق الأثرية عن طريق قرض إسبانى بقيمة 20 مليون دولار، وهذا المشروع سينفذ فى 5 مناطق أثرية هى «معبد الأقصر، ووادى الملوك، والدير البحرى، والرامسيوم ومدينة هابو»، وسيتم الانتهاء من منظومة مراقبة معبد الأقصر خلال أسابيع قليلة وهو ما يقلل من الاعتماد على العنصر البشرى كما أن المشروع يتضمن تجديداً كاملاً لشبكة الإضاءة فى تلك المواقع.
■ بعض الاكتشافات يتم تخزينها فى أماكن غير مهيأة مما يعرضها للسرقة وللتلف؟
- هذا لم يعد يحدث الآن بعد إنشاء 6 مخازن فى الأقصر جميعها مؤمّنة بشكل كافٍ ومراقبة بالكاميرات، وهو ما لم يكن موجوداً فى أعوام مضت، أما عن السرقة فلم تحدث أى سرقات سوى حادث مخزن البعثة الألمانية وتم إعادة المسروقات، والسرقة الأخيرة كانت فى معبد الأقصر العام الماضى، حيث تمت سرقة قطعتين من المتحف المفتوح فى المعبد وما زالت التحقيقات جارية لكشف غموض الواقعة.
■ لكن بعض القطع الأثرية ملقاة على ألواح خشبية بمعبد الطود ومعرضة للتلف بسبب العوامل الطبيعية!
- هذه القطع هى أجزاء من المعبد ولا خوف عليها ومتروكة لوقت معين وسيتم الاستعانة بها فى عملية ترميم وبناء المعبد من جديد، أما القطع المهمة فتم تخزينها فى مخزن متحفى أُعد خصيصاً لذلك بمنطقة جبال الوطواط فى جبال الطود.
■ لماذا لا يتم فتح منفذ لبيع التذاكر بمعبد الطود برغم أنه مفتوح للزيارة؟
- معبد الطود مفتوح للزيارة منذ 15 عاماً ويقع على بُعد 25 كيلو تقريباً من الأقصر، وهو خاضع إدارياً لمعبد الأقصر، وللأسف لا يزوره سوى عدد محدود من السائحين برغم قيمته التاريخية، وهذه مشكلة تخص شركات السياحة التى لا تضع المعبد على أجندتها السياحية، وأى سائح يريد أن يزور المعبد عليه أن يقطع تذاكر من معبد الأقصر.
■ لماذا أُهمل المعبد خلال الفترات الماضية برغم قيمته التاريخية؟
- معبد الطود يحتاج لمشروع ضخم مكون من 3 محاور، وناقشنا ذلك مع الوزير خلال زيارتة الشهر الماضى للمعبد، حيث إنه يقع وسط كتلة سكنية لا بد أن تزال بالاشتراك مع سلطات المحافظة وكذلك لا بد من تنفيذ مشروع لخفض منسوب المياه الجوفية التى أغرقت أجزاء من المعبد ومن ثم إنشاء سور جيد له وإعادة ترميمه وتطوير المنطقة المحيطة به وإنشاء طريق ممهد للمعبد، وهو ما يحتاج لميزانيات ضخمة غير موجودة حالياً.
■ لماذا لا يتم افتتاح معابد كومير والمدامود وأرمنت للزيارة؟
- كما قلت فى السابق إن هذه المعابد تحتاج لميزانيات ضخمة من أجل ترميمها وتطوير المنطقة المحيطة بها، لكى تصبح مهيأة للزيارة، وهو أمر صعب جداً الآن، لكن الوزارة لا تتأخر فى فتح معابد أو مناطق جديدة تساهم فى تنشيط حركة السياحة، فخلال العامين الماضيين افتتحنا عدة مواقع جديدة أهمها دير شلويط والمقبرة 141 وقصر العجوز ومعبد موت.
■ بعض البعثات الأثرية الأجنبية تتهم دائماً بالوقوف وراء عمليات تهريب الآثار؟
- بكل صراحة هذه البعثات لا تعمل قبل الحصول على الموافقات الأمنية من جهات سيادية، ويتم فحص كل العاملين فيها جنائياً، ولا تبدأ أى عمل دون الحصول على موافقة الوزارة والأمن وبإشراف مفتشى الآثار المصريين وهم حريصون للغاية على آثارنا.
■ كيف نواجه تفشى ظاهرة التنقيب غير الشرعى على الآثار؟
- هذه الظاهرة تحتاج لحملات توعية تقوم عليها الدولة لتوعية المواطنين بأهمية الآثار وخطورة عمليات التنقيب، حيث يلقى الكثير من المنقبين حتفهم خلال تلك العمليات الوهمية وتكلل أغلبها بالفشل، التى يعتمد معظمها على الدجل والشعوذة ولا بد من توعية المواطنين بأن تلك الآثار هى تراث يجب الحفاظ عليه وهناك قاعدة فقهية تقول إن ما ينفع الفرد ويضر المجتمع فهو حرام.
■ كيف تكون عمليات وهمية وفاشلة وهناك آلاف القطع هُرّبت للخارج؟
- أغلب القطع التى جرى تهريبها ليس بسبب عمليات التنقيب غير الشرعى، بل تمت فى نهاية القرن التاسع عشر وفى بداية القرن العشرين، فتخيل أن متحف تورينو فى إيطاليا يضم نحو 120 ألف قطعة من الآثار المصرية، كما أن هناك متاحف فى فرنسا وإنجلترا وبرلين وأمريكا وبولندا بها مئات القطع المصرية.
■ البعض يتهم وزارة الآثار بالمسئولية عن تردى الأوضاع فى الكثير من المناطق الأثرية؟
- حال الآثار من حال البلد، ولو أن هناك استقراراً سياسياً فسينعكس ذلك على القطاع، وهو ما أتوقع أن يحدث مع الاستحقاق الانتخابى المقبل، لكن على وزارة السياحة أن تكون أكثر نضوجاً وتحرراً فى التعامل وتسعى لكى تعود حركة السياحة كما كانت من قبل عندما وصلنا لنحو 10 ملايين سائح فى عام 2010.