نجاحات السياسة الخارجية المصرية

أحمد رفعت

أحمد رفعت

كاتب صحفي

الأزمة الاقتصادية بأسبابها المتعددة لا تعنى بأى حال أن نتجاهل التحديات التى تواجه مصر والأمة العربية والتى لم تتوقف.. إذ تبقى التحديات كما هى رغم أى تطورات إيجابية فى المنطقة، وقد لعبت مصر دوراً مهماً فى مواجهة ذلك منذ ٢٠١٤ إلى اليوم.. خصوصاً بعد تنامى الاهتمام بالبعدين العربى والأفريقى فى السياسة الخارجية المصرية وبشكل صادق وحقيقى ترجمت حركته على الأرض إلى أرقام!

لكن علينا قبل أن نتعرض للتحديات القائمة والمستمرة أن نفهم السياسة الخارجية المصرية وكيف تعمل ومجال حركتها الحيوية..

علينا أن نقف امام ثلاثة مبادئ أساسية لسياستنا مع العالم الخارجى بما فيها الإقليم والجيران وكذلك تدور حركتها فى ثلاث دوائر أساسية ثم ستة مبادئ ثابتة فى التعامل مع أزمات المنطقة المشتعلة منذ أكثر من عقد من الزمان وبعضها ممتد إلى ما هو أبعد من ذلك..

المبادئ الثلاثة الأولى هى احترام القانون الدولى والالتزام بالمعاهدات التى وقعتها وأبرمتها الدولة المصرية وأخيراً مبدأ حسن الجوار وهو ما يشهد الجميع به لمصر بل يشهد الجميع لمصر فى المبادئ الثلاثة.. إذ لا يوجد اتهام واحد لمصر بعمل عدائى واحد ضد دول أخرى ولا اتهام واحد بمخالفة معاهدة دولية أو اتفاق دولى وكذلك حسن الجوار..

أما الدوائر الثلاث التى تتحرك فيها السياسة الخارجية المصرية وتشكل دوائر أمنها القومى فقد حددها أبناء الجيش العظيم فى أول جمهورية بعد ثورة يوليو وظلت كما هى حتى اليوم وصالحة تماماً وإن كان أضيف إليها بعد رابع أجبرتنا عليه الظروف والمستجدات وهى مساحة حركة فى البحر المتوسط بينما تبقى الدوائر الأولى هى الدائرة العربية والدائرة الأفريقية ثم الدائرة الإسلامية وهى دوائر ننتمى إليها وينتمى إليها شعبنا وإن كانت الدائرة الإسلامية تحولت إلى دائرة العالم الثالث كله.. فى حين تتحرك السياسة المصرية فى البحر المتوسط بعد وجود مصالح للشعب المصرى به وهى مصالح تحتاج إلى حماية وإلى تنسيق مع دول أخرى واتفاقيات ومذكرات تفاهم بل ومناورات وتدريبات مشتركة.. وبصراحة يمكن القول أن مصر طورت حركتها فى هذه الاتجاهات الأربعة وبشكل كفء جداً ترجم إلى أرقام غير مسبوقة بلغ فيها التبادل التجارى مع الأشقاء العرب أكثر من تسعة وعشرين مليار دولار العام الماضى ومن المتوقع أن يتحقق الرقم نفسه فى العام الحالى وبين هذا الرقم تفاصيل أيضاً إيجابية منها ارتفاع التبادل البينى بين مصر والعديد من الدول العربية الشقيقة وهو ما حدث أيضاً فى أفريقيا، حيث بلغ التبادل التجارى مع أفريقيا ما يتجاوز الثلاثة عشر مليار دولار!

أما المبادئ الستة التى تستند إليها مصر فى تعاملها واشتباكها مع الأزمات الحالية فى البلاد العربية الشقيقة فهى عدم التدخل فى شئون الغير والحفاظ على مكونات وأراضى الدول التى تشهد أزمات وصراعات، وكذلك الحفاظ على مؤسسات الدولة الوطنية، وفى مقدمتها بالطبع الجيوش الوطنية، حتى تستطيع ممارسة دورها فى حماية باقى المؤسسات وصد أى عدوان خارجى، وكذلك حق الشعوب فى اختيار حكامها، وكذلك حقها فى وضع دساتيرها وأنظمة حكمها، وأخيراً سلمية الحلول.. حيث لا يؤدى الاقتتال إلى شىء، بل يؤدى إلى خراب ودمار على الجميع، يدفع ثمنه الشعب والوطن كله!

وبالنظر إلى تطبيق ذلك على أزمات المنطقة سنجد أن مصر التزمت بهذه المبادئ فى الأزمة السورية تماماً، كما التزمت بها فى الأزمتين الليبية واليمنية، وكذلك الارتباك الحادث فى العراق ولبنان.. فلا تكيل بأكثر من معيار، ولا تبحث عن مغانم أو مطامع لدى الدول الأخرى.. بينما نجد دولاً أخرى ترفض التدخل فى الشئون الداخلية للدول أو الانقضاض على الشرعية فى بلد من أطراف بعينها بينما تقبله بالكامل فى دولة أخرى!!!! هكذا وفق مصالحها!

ولذلك لعبت مصر دوراً مهماً فى الحفاظ على الدولة السورية وتدخلت للتوصل إلى أكثر من اتفاق خفض عنفاً، فضلاً عن دعمها للتفاوض السلمى ورفض أى مشروع لتعريض البلد الشقيق لأى تقسيم أو انفصال.. وهو ما فعلته مصر فى ليبيا التى رفضت منذ اللحظة الأولى التدخلات الخارجية أو وجود ميليشيات مسلحة خارج إطار الشرعية وبعيداً عن سلطة الدولة المركزية، مع احترام المؤسسات المنتخبة، ولم تطلب مصر إلا الحفاظ على ثروة الشعب الليبى وكذلك منع تهديد أراضيها بوجود أى عناصر إرهابية بالقرب من حدودنا!

بينما فى الأزمة اليمنية بقيت مصر البلد الذى تجمع على احترامه وترحب بتدخله جميع الأطراف اليمنية، وهو ما انعكس سلوكاً على الأرض منها ثقة ممثلى الشرعية فى الدور المصرى، وكذلك عودة الصيادين المصريين بسلام بعد جنوح سفنهم بالقرب من الحدود اليمنية والتعامل معهم بشكل طيب جداً تقديراً لمصر وشعبها وقيادتها.

ويطول الحديث عن نجاحات السياسة الخارجية المصرية التى لنا عنها مستقبلاً حديث آخر.