«الوطن» في مسقط رأس سيد درويش.. ذكريات ليالي الطرب ودعوات لـ«إيمان البحر» بالشفاء

كتب: سمر صالح

«الوطن» في مسقط رأس سيد درويش.. ذكريات ليالي الطرب ودعوات لـ«إيمان البحر» بالشفاء

«الوطن» في مسقط رأس سيد درويش.. ذكريات ليالي الطرب ودعوات لـ«إيمان البحر» بالشفاء

في منتصف أحد شوارع حي «كوم الدكة» الشعبي بمحافظة الإسكندرية، يصدح صوت المذياع من مقهى «سيد درويش» -الأشهر هناك- بأغاني الزمن الجميل، يرددها الزبائن الذين تفاوتت أعمارهم بين الأربعين والخمسين حتى السبعين، منهم من كان جليسًا دائمًا في جلسات المغنى والطرب لابن الفنان الراحل «محمد البحر درويش» لا يزال يروي على الشباب ذكرياته معه معتزًا بذلك.

أيام قليلة مضت على الصورة التي نشرتها ابنة الفنان إيمان البحر درويش وهو على فراش المرض ويبدو بحالة سيئة وشكل مختلف تمامًا عما كان عليه من قبل، حتى انتقلت «الوطن» إلى حي «كوم الدكة» بمحافظة الإسكندرية- مسقط رأس عائلة الفنان إيمان البحر درويش حيث ولد الفنان الراحل سيد درويش جده وأبيه محمد البحر درويش، كبار السن من سكان المنطقة الشعبية لا يزالون يتذكرون مواقف الجد والابن والحفيد.

المقهى المفضل لسيد درويش

«القهوة دي كانت المكان المفضل لسيد درويش بيحب يقعد هنا ويدندن أغانيه»، بلهجة يغلب عليها الطابع الاسكندراني يقول العجوز السبعيني سيد ناصر، أحد الزبائن القدامى لقهوة سيد درويش بالإسكندرية، بينما كان جالسًا على مدخل المقهى يتناول «شاي العصاري» على نغمات أحد أغاني أم كلثوم، كما يحب أن يسمع الزبائن.

جلسات الأبناء والحفيد إيمان البحر درويش

ستون عامًا تقريبًا إلى الوراء، عاد خلالها العجوز الاسكندراني بذاكرته ليتذكر جلسات «محمد البحر» ابن الفنان الراحل سيد درويش ووالد الفنان إيمان البحر درويش، «أنا ملحقتش سيد درويش بس ابنه محمد درويش كان بيقعد معانا يدندن أغاني أبوه وكان بيجي معاه أوقات إيمان البحر درويش وهو صغير بيحيوا تراث وأغاني الجد سيد درويش» فيلتف من حولهم أهالي المنطقة والمناطق المجاورة في جلسات غناء و سهر تمتد حتى ساعة متأخرة من الليل، بحسب رواية العجوز.

ليست جلسات «المغنى والسهر» هي الشكل الوحيد الذي كان يلتقي خلاله أبناء سيد درويش وحفيده بأهالي «كوم الدكة» بل كانوا يعقدون احتفالًا سنويًا يجمعون فيه محبي الطرب من أهالي الإسكندرية والمثقفين، ويجلس الإبن «محمد» يروي حكايات جديدة في كل مرة عن والده الفنان سيد درويش، «كنا بنحب اللمة دي وبنستناهم عشان نسمع حكايات جديدة عن سيد درويش»، بحسب رواية العجوز سيد.

تلحين نداءات الباعة الجائلين

من بين الحكايات التي رواها العجوز «سيد» أحد الزبائن القدامي لمقهى سيد درويش نقلا عن ابنه «محمد»، أنَّ سيد درويش كان يهوى تلحين أصوات الباعة الجائلين المنادين على بضاعتهم، «لما كان يعدي بياع ينادي على بضاعته يلحن ليه طقطوقة حسب الكلمات اللي بينادي بيها» فكان متواضعا بسيطًا قريبا من جميع الأهالي وباب منزله في «حارة الصعايدة» بمنطقة كوم الدكة كان مفتوحًا الجميع من محبي الطرب والفن، لافتًا إلى شدة حب أهالي المنطقة للفنان ابن كوم الدكة حتى أن الأفراح قديمًا كانت لا تُقام إلا بأغاني سيد درويش.

صورة سيد درويش على واجهة المقهى

المقهى الذي يرجع لصاحبه الحاج منعم وسُمي بمقهى «سيد درويش» لكونه المقهى المفضل للأخير، يقع على بعد عدة خطوات من منزل آل درويش بمنطقة كوم الدكة نفسها، معلق على واجهته صورة طولية للفنان الراحل وبالداخل أيضا صورة كبيرة بالأبيض والأسود له، لم يطرأ أي تغيير على المكان سوى زبائنه باختلاف الأزمنة.

بعد رحيل «سيد درويش» حافظ ابنيه «محمد وحسن» على دندنة أغانيه، فهو الذي أثرى الفن والطرب ونهض به نهضة كبرى ووضع موسيقى النشيد الوطني للبلاد وغنى بلسان الفلاح والعامل والموظف البسيط وقاوم الاستعمار بالفن، فكان الأبناء والحفيد يقيمون جلسات المغنى كما كانت تُقاوم في حياة سيد درويش، «بعد وفاته بفترة استمروا على قعدة القهوة خصوصا كل سنة في ذكرى ميلاده كان فيه حفلة بتعملها وزارة الثقافة بحضورهم».

أسرة سيد درويش يشهد لها الأهالي بالتواضع والأخلاق

يشهد العجوز السبعيني وكل أهالي الإسكندرية لأسرة سيد درويش بحسن الأخلاق والتواضع، حتى أن عينيه بكت دمعا للصورة التي تم تداولها للفنان إيمان البحر درويش « أول ما شوفتها افتكرت أيام طفولته وبداية شبابه لما كان بيقعد وسط الناس يدندن زي جده وكلنا بندعيله بالشفاء والصحة»، حسب قوله.

المقهى الذي يزيد عمره على مائة عام، لا يزال محل اهتمام أبناء الشعب، وإن كان الأمر اختلف قليلًا، ففي السابق كان رواده من محبي الغناء والفن والآن يتردد عليه الشباب المهتمون بالتاريخ لمعرفة تاريخ عائلة موسيقار الشعب سيد درويش، وحسب رواية العجوز سيد: «كل يوم والتاني يجي مجموعة شباب هاويين تاريخ وتصوير يتعرفوا على معالم وتاريخ المكان وبعض الفنانين لسه بيقعدوا على القهوة دي».


مواضيع متعلقة