خطبة الجمعة المقبلة لوزارة الأوقاف.. «الأخذ بالأسباب في الهجرة النبوية»

كتب: سهيلة هاني

خطبة الجمعة المقبلة لوزارة الأوقاف.. «الأخذ بالأسباب في الهجرة النبوية»

خطبة الجمعة المقبلة لوزارة الأوقاف.. «الأخذ بالأسباب في الهجرة النبوية»

أعلنت وزارة الأوقاف عن موضوع خطبة الجمعة المقبلة لوزارة الأوقاف تحت عنوان الأخذ بالأسباب في الهجرة النبوية المشرفة، مؤكدة على الالتزام بخطبة الجمعة التي تحددها الوزارة نصًا أو مدفونًا وألا تزيد مدة الخطبة على 10 دقائق للخطبتين الأولى والثانية.

نص خطبة الجمعة القادمة لوزارة الأوقاف 

وجاء موضوع خطبة الجمعة القادمة لوزارة الأوقاف حول الأخذ بالأسباب في الهجرة النبوية المشرفة، إذ يتحدث العنصر الأول عن أهمية الأخذ بالأسباب في الحياة العملية ونص على: أن المسلم مطالب بتحقيق منهج الاستخلاف على هذه الأرض, ولكي يحقق هذا الاستخلاف لابد أن يأخذ بالأسباب الموصلة إلى ذلك, قال تعالى: {فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ…}[الحج: 15]، وقال تعالى:{ فَأَتْبَعَ سَبَبًا} [الكهف: 85].

والسبب هو ما يوصلك إلى الشيء، ويكون عاملاً من عوامل تحقيقه، فأنت مطالب ببذل الأسباب؛ وأما النتائج فإن مردها إلى الله تعالى، قال تعالى: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ} [التوبة: 105]، ولقد قال الله تعالى لعباده المؤمنين: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ…} [الأنفال: 60] وقال عز وجل:{ إِن تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ }[محمد: 7] .

والأخذ بالأسباب من شيم المرسلين وأولي الألباب والصالحين ومن تمسك بالهدى المستقيم، وتركه من شيم البطالين الدراويش الذين يريدون أن يعيشوا على الصدقات والهبات، فها هو نوح عليه السلام أمره ربه تبارك وتعالى بإعداد سفينة عملاقة لحمل الأحياء من كل زوجين اثنين ومن آمن من البشر ولو شاء الله أن ينجيه لنجاه ولكنه أرشده إلى الأخذ بالأسباب، وها هو موسى عليه السلام أمره ربه تبارك وتعالى أن يضرب البحر بعصاه، وهل تشق العصى البحر؟! ولكنها الأسباب, فإذا بالبحر فرقتين كل فرق كالطود العظيم؛ ولو شاء الله أن يجعله كذلك من غير ضرب بالعصا لفعل ولكنه يُعلِّم أنبياءه وعباده الصالحين الأخذ بالأسباب، وكذا ضربه الحجر بالعصا لينفجر منه اثنتا عشرة عينا كل هذا لتأخذ الأسباب نصيبها من حياة الإنسان!!.

أيها المسلمون: ينبغي على كل مسلم في حياته العملية أن يأخذ بجميع الأسباب الموصلة إلى غايته وهدفه مع التوكل على الله تعالى؛ وهذا ما غرسه النبي في نفس الصحابي الذي أطلق الناقة متوكلا على الله؛ فعن أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ: قَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَعْقِلُهَا وَأَتَوَكَّلُ أَوْ أُطْلِقُهَا وَأَتَوَكَّلُ؟ قَالَ: «اعْقِلْهَا وَتَوَكَّلْ» (الترمذي وحسنه).

إن كثيرا من الناس يقعدون في بيوتهم وينتظرون الرزق مع أنهم لم يأخذوا بالأسباب ولم يسعوا عليه فكيف يأتيهم؟!! لذلك رأى عمر رضي – رضي الله عنه- قومًا قابعين في رُكن المسجد بعدَ صلاة الجمعة، فسألهم: من أنتم؟ قالوا: نحن المُتوَكِّلون على الله، فعَلاهم عمر رضي الله عنه بدِرَّته ونَهَرَهم، وقال: لا يَقعُدنَّ أحدُكم عن طلب الرزق، ويقول: اللهم ارزقني، وقد علِمَ أن السماءَ لا تُمطِرُ ذهبًا ولا فضّة، وإن الله يقول: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاَةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ} (الجمعة: 10).

لذلك كان عرَاك بن مالك رضي الله عنه إذا صلى الجمعة انصرف فوقف على باب المسجد، فقال: اللهم إني أجبتُ دعوتَك، وصليتُ فريضتك، وانتشرت كما أمرتني، فارزقني من فضلك، وأنت خير الرازقين. ( تفسير ابن كثير)

وروى ابن أبي الدنيا في التوكل بسنده عن معاوية بن قرة: «أن عمر بن الخطاب، لقي ناسا من أهل اليمن، فقال: من أنتم؟ قالوا: نحن المتوكلون. قال: بل أنتم المتكلون، إنما  المتوكل الذي يلقي حبه في الأرض، ويتوكل على الله».

وكان سفيانُ الثوريّ رحمه الله يمُرُّ ببعض الناس وهم جلوسٌ بالمسجدِ الحرام، فيقول: ما يُجلِسُكم؟ قالوا: فما نصنَع؟! قال: اطلُبوا من فضلِ الله، ولا تكونوا عيالاً على المسلمين.

الأخذ بالأسباب

فلابد إذاً من إحسان الأخذ بالأسباب وهذا من تمام التوكل وكماله، فالمتوكل الحقيقي هو الذي يبذل ما في وسعه ولا يترك سبباً صحيحاً إلا أخذ به، أما المتواكل فإنه لا يأخذ بالأسباب أو يأخذ بأسباب غير صحيحة، ويظن أن الأقدار هي التي كتبت عليه ذلك؛ يروي أن أحد اللصوص سرق في عهد عمر رضي الله عنه فأحضر بين يديه فسأله عمر قائلاً: لم سرقت ؟ فقال: قدَّر الله ذلك. فقال عمر رضي الله عنه: اضربوه ثلاثين سوطاً ثم اقطعوا يده فقيل له ولم ؟ فقال : يقطع لسرقته؛ ويضرب لكذبه على الله!!، فالمسلم في سعيه وفي أخذه بكل أسباب النجاح يعلم أن التفاؤل والثقة بالله تعالى أساسان مهمان لتحقيق النجاح, أما التشاؤم والتطير فإنهما محبطان ومعطلان عن طريق النجاح .

ويتحدث العنصر الثاني عن موضوع خطبة الجمعة المقبلة لوزارة الأوقاف حول الأخذ بالأسباب من خلال الهجرة النبوية ونص على: 

لقد ضرب لنا النبي صلى الله عليه وسلم أروع الأمثلة في حسن الأخذ بالأسباب ، ففي الهجرة النبوية الشريفة تأمل كيف أعد لها إعدادا جيدا وأخذ بكل أسباب النجاح لهذه الهجرة المباركة، فخطط النبي صلى الله عليه وسلم خطة متينة محكمة، فعلىٌّ – رضي الله عنه- على فراشه صلى الله عليه وسلم مغطياً رأسه، وبات المجرمون ينظرون من شق الباب، يتهافتون أيهم يضرب صاحب الفراش بسيفه، وعبدالله بن أبي بكر كان يصبح مع قريش فيسمع أخبارها ومكائدها فإذا اختلط الظلام تسلل إلى الغار وأخبر النبي  صلى الله عليه وسلم الخبر فإذا جاء السحر رجع مصبحاً بمكة، وكانت عائشة وأسماء يصنعان لهما الطعام ثم تنطلق أسماء بالسفرة إلى الغار ولما نسيت أن تربط السفرة شقت نطاقها فربطت به السفرة وانتطقت بالآخر فسميت بـ(ذات النطاقين)، ولأبي بكر راعٍ اسمه عامر بن فهيرة، كان يرعى الغنم حتى يأتيهما في الغار فيشربان من اللبن، فإذا كان آخر الليل مر بالغنم على طريق عبدالله بن أبي بكر عندما يعود إلى مكة ليخفي أثر أقدامه، واستأجر رسول الله  صلى الله عليه وسلم رجلاً  كافراً اسمه عبدالله بن أريقط وكان هادياً خريتاً ماهراً بالطريق وواعده في غار ثور بعد ثلاث ليال، فتوزيع الأدوار جاء مرتباً مخططاً منظماً وفق خطة علمية مدروسة!!

فالقائد: محمد، والمساعد: أبو بكر، والفدائي: علي، والتموين: أسماء ، والاستخبارات: عبدالله، والتغطية وتعمية العدو: عامر، ودليل الرحلة: عبدالله بن أريقط، والمكان المؤقت: غار ثور، وموعد الانطلاق: بعد ثلاثة أيام، وخط السير: الطريق الساحلي.

وهذا كله شاهد على عبقريته وحكمته صلى الله عليه وسلم، وفيه دعوة للأمة إلى أن تحذو حذوه في حسن التخطيط والتدبير وإتقان العمل واتخاذ أفضل الأسباب مع الاعتماد على الله مسبب الأسباب أولاً وآخراً.

إن الله قادرٌ على حمل نبيه في غمامة أو سحابة أو يسخر له الريح – كما سخرها لسيدنا سليمان – فتحمله في طرفة عين من مكة إلى المدينة، ولكن الله يريد أن يعطينا درساً لا ننساه وهو التخطيط والأخذ بالأسباب.

أخي المسلم: إنك لو نظرت إلى الهجرة وسألت نفسك سؤالا: لماذا هاجر النبي صلى الله عليه وسلم سرا بينما هاجر عمر بن الخطاب في وضح النهار..؟!! متحديا قريش بأسرها، وقال كلمته المشهورة التي سجلها التاريخ في صفحات شرف وعز المسلمين وقال متحديا لهم : «من أراد أن تثكله أمه وييتم ولده وترمل زوجته فليلقني وراء هذا الوادي» فلم يجرؤ أحد على الوقوف في وجهه، فهل كان عمر بن الخطاب أشجع من سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم؟!!.

ويتحدث الثالث في خطبة الجمعة القادمة لوزارة الأوقاف عن الأخذ بالأسباب في حياتنا المعاصرة بين الواقع والمأمول.


مواضيع متعلقة