سادة سِكتوّا.. عندما يصبح الفن بوابة لعلاج الاكتئاب

سادة سِكتوّا.. عندما يصبح الفن بوابة لعلاج الاكتئاب
سادة سِكتوّا.. واحدة من أنواع القهوة بلا نقطة سكر واحدة.. تشبه التجارب الصعبة التي نمر بها في الحياة، نتجرعها مرة واحدة، أو نشربها على مهل، لا يختلف الأمر كثيرًا، النتيجة في النهاية واحدة، الإحساس بالمرارة يكسو الحلق بغزارة، لذلك كان اختيار هذا المشروب من قبل فرقة «قريبًا للفنون» التي تضم مجموعة من الشباب الذين مروّا بأزمات نفسية، باعتباره أكثر أنواع القهوة تعبيرًا عن الاكتئاب، ليكون عنوانًا للمسرحية التي تم عرضها على مدار يومين في كرنفال متخصص للتوعية بالمرض النفسي.
على خشبة المسرح، تواجد نحو 15 شابًا وفتاة أعمارهم متقاربة، داخل «كافيه» ليشربوا «سادة سِكتوّا»، يصبح المكان ملاذًا لكل من يشعر بالاكتئاب، تكتشف بصحبتهم أنّ كل منهم لديه «حدوتة» تركت تأثيرها السلبي بداخله!!، هناك من أصبح انطوائيًا، وأخرى تبحث عن الحب بكل الطرق، وهناك من يخشى الاستغلال، وآخر فقد الثقة، وغيره من الأزمات التي تراكمت في النفوس نتيجة الإحباط وسوء التقدير لكثير من المواقف على مستوى الأسرة أوالأصدقاء أوأماكن العمل أو العلاقات العاطفية.. لتبقى الحقيقة المؤكدة أنّنا جميعًا عنصرًا فعالًا في آذية بعضنا البعض، ولن ننجو إلا بالاحترام والتفاهم وعدم تصيّد الأخطاء..
لست وحدك من تتألم
يتميز عرض «سادة سِكتوّا» بأنك تشعر مع كل حكاية أنّها قريبة منك، قد تكون عشتها يومًا سواء عن تجربة شخصية، أو في الدائرة المحيطة بك.. من شدة اندماجك مع أبطال المسرحية الذين مروا في الواقع بأزمات نفسية، منهم من تجاوزها ومنهم من يسعى للاندماج بالمجتمع، تتمنى لو تصعد إليهم إلى خشبة المسرح، لتروي أنت أيضًا معهم حكايتك، «تفضفض» مع أناس يشبهونك في آلامك، حتى تجد أنّك أزحت حِملًا ثقيلًا كان يزين كاهلك، وهو الغرض المطلوب من هذه المسرحية بالأساس.. وهو العلاج بالفن الذي يعد واحدًا من الأساليب الحديثة التي تمنح المرضى الشعور بالطاقة الإيجابية، والجرأة في التعبير عن أنفسهم وما يمرون به من أزمات، حسب مخرج العمل عبدالرحمن لاشين، وبطل العرض شادي جمال هاشم، كلاهما زاره الاكتئاب على اختلاف درجاته وكان الاحتماء بالفن هو بوابة علاجهما من أي أزمة نفسية، لأن الهدف هو أن تكون جريئًا في التطرق إلى ما تعانيه، وأن تحكي بلا خجل أو مواربة كل ما مررّت به من ألم، وأن تعلم أنك لست وحدك، خاصة وأنّ فكرة العرض التي انتبه إليها أحمد فكري كان محورها الاكتئاب، وطرق علاجه حسب كل حالة، والتركيز على أهمية العلاج النفسي الذي قد يصاب به أي إنسان، حتى لو كان الطبيب المعالج نفسه !!..
تقلبات مزاجية تتسلل إليك مع العرض بين الغرق في تفاصيل التجارب الحقيقية التي يجسدها شباب أمامك على المسرح، تعيش معهم لحظات انكسارهم، ومحاولات «لملمة» أوجاعهم بكلماتهم وحركاتهم الاستعراضية، لمسات الديكور التي كانت في حيز ضيق للغاية، مع الإضاءة والمزيكا التي تتغير كل منها حسب حجم المآساة التي تروى أمامك، جعلت الجمهور والممثلين كأنهم يعيشون سويا في نفس العالم، كل من يجلس في القاعة يترقب حكايته القادمة على لسان أي من أبطالها.. يمر الوقت لتكتشف بصحبتهم أنه ليس هناك مستحيلاً، وكل مرض له طريقته في العلاج وقابل للشفاء تماما..
نحن أمام عرض فني مهم، يسعى أبطاله للذهاب به إلى كل المستشفيات والندوات والمؤتمرات الطبية التي تتعلق بالمرض النفسي.. يروون تجاربهم، تضحك معهم، تبكي لألمهم، ترقص على آناتهم.. تترك روحك تهيم بصحبتهم، تنتابك الجرأة وتستعد لتكون واحدًا منهم، وتطلب بكامل إرادتك «سادة سِكتوّا».